lundi 30 avril 2012

أبناء المشروع الإسلامي في مهب الريح - الجزء الثاني


ذكرت في المقال السابق منهجية التربية الإسلامية وبناء الفرد المسلم،والذي يمثل دعامة الأسرة والمجتمع وماترتب بسبب غياب هذه المنهجية من إخلالات لا نبالغ إن قلنا أنها خطيرة وينبغي النظر إليها بجدية لمعالجتها، وهي في الحقيقة متوقعة لكل متابع واع بحال بلداننا فهو أمر عادي ناجم عن سياسة عقود ماضية من خلال تجفيف المنابع وفي أحسن الاحوال تلويثها والانخراط في السباق الإنتخابي إثر الثورة. وقد ذكرت أن الخلل في هذه المنهجية ينتج عنه خلل متسلسل في بقية الحلقات المرتبطة به، فكان من ذلك ضبابية في فهم وتصور المشروع الإسلامي لدى العديد من إخواننا والإهتمام بقضايا هامشية على حساب قضايا ذات أهمية قصوى وتشابك الأفكار التي نلتمسها جلية في شتى الحوارات مما نتج عنه عدم فاعلية لا في الحوارات المباشرة ولا في السجال في المواقع الإجتماعية فمثل ذلك صورة سوداوية لدى عامة الشعب حتى تخيل البعض أن الإيديولوجية مصطنعة لإلهاء الشعب والسجال السياسي لا يهدف لمشروع وإنما يهدف لوراثة الكرسي، فضلا عن الإهتمام بالجانب السياسي على حساب الفكري والتربوي والذي زاد في تعميق الأزمة ولعلي أزيد توضيح بعض الأفكار في هذا المقال وأتناول الموضوع بأكثر دقة مع ذكر جوانب أخرى وأمثلة واقعية.

أبناء المشروع الإسلامي ينقسمون إلى عدة تيارات تختلف في طرحها وتتباين في سبل التغيير التي تتبناها وكل منهم يسعى حسب اجتهاد العلماء والفقهاء الذين يثق بهم لتنزيل المرجعية الإسلامية على الواقع. وكل متتبع يعلم علم اليقين أن الإختلاف في التاريخ الإسلامي كان خلال فترات عديدة معينا لا ينضب لتجديد الفكر والتلاقح الناجم عنه التطور الذي يضمن مواكبة الزمن فكل جامد يندثر وكل ثابت يضمحل ولا يحدث التطور إلا بتعدد المدارس وتعدد الرؤى وتنوعها، ولذلك ورثنا في المكتبة الإسلامية عددا مهما من مجلدات تفسير القرآن مع أن القرآن واحد، فمثلت هذه المدارس ضامنا أساسيا في إثراء الفكر الإسلامي وتطوير الحضارة الإسلامية ولكن كان ذلك متعلقا بعلة إذا غابت غاب التطور ورزخ الحال حينها لا إلى الجمود فقط بل إلى التقهقر والتراجع. وفعلا كان هذا واقعا ملموسا عاشه المسلمون لمّا غابت هذه العلة، ألا وهي فقه الخلاف. إن المتتبع لمناظرات العلماء داخل المدرسة الإسلامية ينهل من الأخلاق قبل العلم وكما تعلمنا منهم "نحن بحاجة إلى قليل من الأخلاق أحوج منا إلى كثير من العلم" ندرك تماما أن الإختلاف حينها لا بد وأن يكون رحمة، كما قلت ليحصل التطور، وفي حال غياب هذا الفقه، فقه الخلاف، والذي نعني به حسن إدارة الخلاف في ما بيننا وحسن التعامل مع المخالف والمجادلة بالتي هي أحسن، في حال غيابه يحصل المحظور ويكون الإختلاف نقمة لا نعمة فنسترجع بذلك ذكريات حرق الكتب والمراجع والتنكيل بالمسلمين فضلا عن المشاهد الدموية في تاريخنا من إبادات لمجرد اختلاف بيننا وتقسيم في كياننا إلى معسكرات عدة بسبب بعض هذه الاختلافات رغم اجماع الكل على أن الفرقة بين المسلمين محرمة ولكن تغيب مواطن الإجماع إذا ما غاب فقه الخلاف فترتفع أسهم حمية الجاهلية لدى بعضنا لتجعل من أواصر الاخوة التي وثقها الإسلام هباء منثورا، وتكون عقيدة الولاء والبراء بين المسلمين أنفسهم وتستحل في ما بينهم البين ولكن يهذب تحت مسمى آخر : مخالفي مبتدع ويجوز هجره طالما أصر على بدعته. ويقذف كل واحد منهم الآخر بأنه يبدي ما لا يبطن ويجعله ممن قال الله فيهم "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا" وكأن أصحابنا لم يدركوا بعد أن من سنن الله في هذه الحياة الاختلاف ويعتقدون أن ما يملكونه هو الحقيقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها فيألّهون أنفسهم لنجد بين أيدينا حينها "ثيوقراطيين" وخزنة لجهنم لا دعاة. وقد روي لنا "إلتمس لأخيك سبعين عذرا" وإن لم تجد فقل عسى أن له عذرا لم أعرفه، ولكن ما يحصل الآن هو عكس ذلك تماما، أسئ الظن في أخيك مطلقا حتى تعتقد أنه يبدي ما لا يخفي، ولا شك أن ذلك مرده الغرور والتعصب للرأي وقلة العلم فكلما زاد علم الفرد منا قل إنكاره. أليس هذا من ثمرات ما تطرقت إليه في المقال السابق ؟ غياب المنهج عنا ؟ إذا نحن نحصد الثمرة وهي بلا شك ثمرة من زقوم.

من حصيلة هذا الأمر أن يقع شرخ بين الإسلاميين حتى أنك تسمع عن من يهجر أخاه الذي قضى معه صباه لاختلاف نشب بينهما. وقليلا ما نسمع عن توازن في الحوار وتناغم بين المختلفين بيننا للأسف، وإذا أضفت إلى ذلك تردّي الأخلاق وتدهورها زاد الطين بلة وتدهور الوضع من سيء إلى أسوء.

ووازى كل هذا التعصب للرأي والتشبث به وليته كان تشبث بعد تمحيص بل هو التعصب الأعمى دون بحث ولا تدقيق، اللهم إلا نظرة سريعة على صفحات الفايسبوك والنهل من غزارة العلم الذي فيها، فحدث التحزب المذموم. ولا يعني التحزب ما يفهمه البعض "الإنخراط في حزب" فأن تكون منخرطا تحت لواء حزب لا يعني هذا فقدانك لشخصيتك ودفاعك الأعمى عن الحزب بل إن ذلك يعني أن الحزب الذي انخرطت فيه هو الأقرب إليك فكريا. ولا شك أن العمل الجماعي هو مجموعة تصورات ورؤى المجموعة كلها المتفق عليها دون أن يفقد كل فرد من المجموعة ذاته وفكره الخاص وتصوراته التي يمكن أن يخالف فيها بقية اخوانه، وهذا من معاني الشورى، والعمل الحزبي مندرج ضمن العمل الجماعي ويخضع للشورى والتوافق. فينبغي أن يُنتبه إلى أن كل صاحب فكر هو بالضرورة متحزب له وكل متبع لقائد أو مقلد لإمام هو متحزب له وهكذا ... والمعرة في ذلك أن يكون التتبعُ تتبع أعمى والتقليد دون تبصر والدفاعُ دفاعٌ عاطفي خاوٍ من كل منطق ومنهجية ولم يكن هذا أبدا منهجنا، بل تعلمنا من كتب العقيدة الولاء لله والبراء من الشيطان، الولاء للحق والبراء من الباطل، وما نتعلمه من كتب المحدثين في أول الاحاديث هو حديث النية والإخلاص للمولى عز وجل، وما نتعلمه من كتب فقهائنا ومفكرينا هو الدفاع عن الحقيقة لتسوية الأوضاع، ولا شك أن يكون نتاج ذلك حزب هدفه الأول والأخير تصحيح ما حوله من أخطاء ولا يستوي البتة أن يغيب هذا الهدف على أعضائه لإصلاح الحزب ذاته ان حاد عن سواء السبيل دون مواربة ولا خشية من الحقيقة فإن لم نفلح في إصلاح أخطائنا فمن باب أولى أننا أفشل في إصلاح ما حولنا. وللأسف يزعم البعض أنه يمكنه ان يكون ثوريا داخل مؤسسات الحزب (أو الجماعة، اخوانك في المنهج ...) مبررا خانعا خارجها (أمام مخالفيك). ومن نتائج السياسة التبريرية أن قتلت النقد الذاتي وتطوير الذات بل تعدى الأمر ذلك لتكون سياسة النقد الغائبة سدا ضد من يبغي التعرف عن المنهج ذاته وصورة من صور التحزب المذموم الذي يقتل الإسلاميين ويصهر شخصياتهم ويحجبها فيكون تأثيرها تأثيرا سلبيا وكما قيل من ثمارهم تعرفونهم ويضر بذلك الحزب أو الجماعة ولو كان داخلهما حراك قوي وتناقش وآراء متباينة. ولا ينبغي أن يُفهم هذا على أنه خرق لمعنى "الإنضباط الحركي" فإن الإنضباط الحركي لا يعني أن تنافق نفسك وتدافع عن قناعات ليست قناعاتك ولا يعني أبدا أن تردف الحجج وأشباهها أمام مخالفيك ثم تردف حجج مخالفيك أمام قيادات جماعتك وكبرائها، ومتى كان الإنضباط الحركي يعني إنفصام في الشخصية ؟ لا حاجة للجماعة إليك إن كنت دون رأي تميل مع كل ريح بل مع كل نسيم.

أما في الجانب المقابل فتجد من يشكلون المعارضة من أجل المعارضة، المعارضة لكل شيء، ينطلقون من تصورات طوباوية لإصلاح وضع جاهلي ويعتقدون أن الإصلاح إنما هو إصلاح ساعة أو أقل وأغلبهم هؤلاء لم يحسنوا إلا الهدم ولم يفلحوا في البناء لذلك لم يتقنوا إلا الطعن وعدم الرضا احترفوا النقد حتى إذا ما سألتهم عن البديل و"ما العمل ؟" وهو السؤال البديهي لإصلاح الأوضاع وتغييرها لم ينطق ببنت شفة، ولم يكن المشروع الإسلامي مشروع شعارات بل هو مشروع برامج وإحسان وإتقان في التغيير ومعرفة فقه التنزيل وفقه الواقع.

ستظل القواعد الشعبية للإسلاميين لغزا شائك إلى حين ترتيب أولياتها وتثقيفها فكريا حتى تبتعد عن التحركات المرتكزة على العاطفة وتزن المواقف بعواقبها، دون أن تغفل عن فقه الأولويات والموازنات. من الغريب أن تجد أحدنا في حياته الخاصة يتقن التصرف بحكمة ويعرف البقاع السوداء التي ينبغي تجنبها من البيضاء التي يطأها ويقف عليها ولكن ما إن تتشابك هذه المواقف مع الجانب الديني والقدسي في نفسه حتى تختل الموازين وتعلو القضايا الهامشية على حساب القضايا المرحلية الضرورية، أليس من الغريب أن تنتفض هذه القواعد من أجل كاريكاتور في حين أنها لا تنتفض من أجل موت إنسان جائع ؟ أليس من الغريب أن تحارب "خرقة" يعتبرها شعب بأكمله رمزا لتمكن خصمك من التشنيع عليك في حين أنك تدرك أنك لن تجني من ذلك شيئا سوى الوبال الإعلامي ؟ إن المشروع الإسلامي ينبغي أن يغرس لدينا بإعتباره ضروريات ثم حاجيات ثم تحسينات ولا ينبغي أن يختل هذا الترتيب فضلا عن اختزال المشروع الإسلامي في فولكلورات حتى لا نصبح إمتدادا لصوفية مقيتة. وينبغي أن تفهم قواعد الإسلاميين كلها من أولها لآخرها ويغرس عندها كعقيدة أن العمل الجمعياتي، الفكري، الدعوي (إلخ...) والتي تمثل كل واحدة فيها ركيزة مهمة في العمل الإسلامي الذي نفهمه على أنه شامل لجميع جوانب الحياة، ينبغي أن يعلموا أن ملأ هذه الجوانب أصبح ضرورة ملحة لتخطي التجاوزات الحاصلة وتعبئة الفراغات التي لا يزال العمل الإسلامي يشكوا منها. وينبغي أن يعلم الإسلاميون أنه من الخطر بمكان أن يكونوا أرقاما تحسب في فرز الأصوات، أصفارا في سائر الأوقات.



vendredi 6 avril 2012

ما لا يرويه الإعلام عن أحداث كلية الحقوق

.كالعادة تميز الإعلام التونسي بعدم حياده في نقل المعلومات الصحيحة مما صبغ الضبابية الشديدة في رؤية المواطن العادي وتقاطع الأخبار وعدم تجانسها بل وتعارضها في أحيان كثيرة. ولا أدل من ذلك نشرة أخبار يوم 5 أفريل والتي قال فيها الإعلامي الجهبذ "الاتحاد التونسي للطلبة الفصيل الطلابي لحركة النهضة" وهذا يدل على قلة وعي لدى الصحافيين وعدم مواكبتهم احترافيتهم أو على مكرهم الشديد لتضليل المشاهد والمتابع لأخبارهم البائسة. وكلنا يعلم أن الفصيل الطلابي لحركة النهضة اسمه "شباب النهضة بالجامعة" وكلنا يعلم أن الإتحاد التونسي نقابة بعيدة كل البعد على الأحزاب ومستقلة برأيها عنها منذ أول تاريخها، ولم تكتفي التلفزة اللاوطنية لذلك لتقول بكل وقاحة وتعلنها صراحة أنها تواصلت مع طرف واحد في كلية الحقوق دون إفساح مجال للطرف الآخر، ولا أعرف ان كان لم يصلهم اختراع اسمه الهاتف ليتصلوا بممثل عن هذا الطرف وذاك ليأخذوا وجهة نظرهما في ما حدث، لذلك وجب على المتابعين ومن تهمهم هذه الأحداث أن يتجندوا أمام أخبار الثامنة كلما جد على الساحة خبر ليتصلوا ويصححوا ويوضحوا فقد عجز الإعلاميون عن ذلك . لهذه الأسباب سيبقى الإعلام الموازي، ساحات التواصل الإجتماعية، هي الناقل الحقيقي للأخبار في ظل غياب الحياد لدى السلطة الخامسة مما يذكرنا في العهد البائد.
يوم الإربعاء 4 أفريل، نادي 3دي الذي ينشط في كلية الحقوق نظم تظاهرة ثقافية محورها يوم الأرض للتذكير بالقضية الفلسطينية. أعتقد أن مثل هذه التظاهرات ينبغي أن تلقى اهتماما وشد أزر من جميع الأطراف من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ومن كانت له حزازيات من هذه القضية فينبغي أن يوجه بوصلته نحو فلسطين ويتحقق من ذلك جيدا وإلا فهو ليس منا. وحتى إن كانت للبعض حزازيات من قضية ما عرضها نادي سيبقى له الحق في النشاط داخل ساحة الجامعة والتعبير عن وجهة نظره طالما احترم القانون ولم يتعدى على أطراف أخرى. لكن الغريب في الأمر أن بعض الأطراف التي نصبت نفسها "إدارة" الجامعة، ولا أدري من خول لها تنصيب نفسها، كانت سباقة للتشويش على هاته التظاهرة الثقافية ومحاولة استفزاز المشرفين عليها وكان أبطال هذه المهزلة طبعا هم جماعة "النقرود"، فتعدوا على نشاط النادي وأفسدوا التظاهرة وتعدوا لفظيا على الاخوة بل والاخوات أيضا والعجب إذا علمت أن اثنا عشر شخص منهم يعتدي على "عبد الحكيم" بالضرب الشديد حتى بات تلك الليلة في مستشفى شارنيكول. وطبعا لم يسمع الإعلام بهذا فهو بارع فقط في إلتقاط ذبذبات اعتداء "ملتحي" في وسط صحراء قاحلة على أحدهم.
يوم الخميس 5 أفريل، نظم الفصيل الطلابي لحركة النهضة، وليس الاتحاد العام التونسي للطلبة، اجتماعا عاما في الجامعة للتنديد بهذا التصرف مع العاشرة والنصف بالتحديد. وبطبيعة الحال لا يغيب جماعة النقرود عن هذا الحدث ليظهروا من جحورهم فجأة علهم يرتكبوا بعض الحماقات في ساحة الجامعة فبزرت حينها الأسلحة البيضاء (سكين) عند أحدهم إلا أنه قد افتك منه السكين ووقعت حينها مناوشات بين الطرفين وكان الطلبة الإسلاميون متفوقون عددا على نظرائهم في حين أن نظرائهم تفوقوا عتادا ووقاحة. أكمل الفصيل الطلابي للنهضة اجتماعه العام وفي آخره لما كانوا يهمون بالخروج من الجامعة في المدرج كان سلاح النقروديين الوحيد هو الحجارة من فوق وكذلك طلب التعزيزات في أسرع وقت ممكن لعلهم يفلحون في ما أرادوا تصويره "طرد طلبة النهضة". وهنا نطرح بعض الأسئلة، أولا من أنتم حتى تطردوا طلبة من الجامعة ؟ ثانيا كيف تسمحون لأنفسكم باستعمال أسلحة بيضاء وحجارة وسط الجامعة ؟ ثالثا ما سبب هذا الإعتداء على طلبة بغض النظر عن توجهاتهم فهو أمر لا يهمهم ؟ رابعا ... الإعلام ؟؟؟
بعد خروج طلبة النهضة من الجامعة وورائهم حجارة منهمرة من ساحة كلية "الحقوق" التي تحصن بها من حسبوا أنفسهم أنهم يقاومون المحتل الصهيوني توجه الطلبة الإسلاميون للمسجد بهدف حشد أكبر عدد ممكن من الطلبة والخروج بمظاهرة في اتجاه كلية الحقوق تندد بهذا الاعتداء وهذه الانتهاكات المتكررة لحقوق الطلبة ومحاولة الحد من نشاطاتهم وحقهم في ذلك داخل جامعتهم. توجهوا للكلية فوجدوا هذه المرة تعزيزات كثيفة داخل الجامعة وأسلحة بيضاء متنوعة وطبعا كانت الحجارة حاضرة بكثافة داخل أسوار هذا الحصن، عفوا، أقصد الجامعة، التي يهددها طلبة يريدون دخولها لممارسة نشاطهم، ولكن أبطال النقرود المدافعون الأشاوس على جامعتهم التي ورثوها عن آبائهم صدوهم مرة أخرى باستعمال الحجارة، وللأسف الشديد كان ذلك بحضور أعضاء نقابة كنا نفترض أنها تدافع عن حقوق الطلبة جميعهم دون تمييز، الاتحاد العام لطلبة تونس اليسارية، والتي شاركتهم في صد طلبة من دخول الجامعة بحجة انهم غرباء عن الجامعة. فلم منعتم الطلبة صباح الخميس من ممارسة نشاطهم ؟ وهل أنكم متأكدون أن جميع من معكم طلبة ؟ طلبة النقرود قليلوا العدد ولا يكثر سوادهم إلا ممن يعرفونهم من "بلطجية" فقد كان عددهم صباحا أقل بكثير. منع الطلبة الإسلاميون من دخول جامعة الحقوق بسبب أنهم يريدون اقتحام الجامعة او أنهم ليسوا طلبة ولنذكرهم أولا أن لجميع الطلبة حق دخول الجامعة بما أنهم يملكون بطاقة طالب ولا حاجة لهم لاقتحامها وثانيا علينا ان نذكرهم انهم ليسوا ديوانيين ليراقبوا من له بطاقة طالب ممن ليس لديه بطاقة طالب واستعمالهم للحجارة لم يفسح لهم مجالا للتفكير أصلا في هذه الأمور ولكنها حجة من لا حجة له، ونذكرهم ثالثا أنهم طلبة حقوق وينبغي أن يتعلموا ان للدولة نظام محدد وقوانين يمكنهم اللجوء إليها لإحقاق الحق، وذاك ما نبغيه، دون طرق همجية.
استمرت المناوشات بالحجارة بين الطرفين، بين طرف يريد ان تبقى الساحة الطلابية ملكا له، وبين طرف آخر يريد أن يمارس حقه في الجامعة، حتى تدخل الأمن لتفريق من هم خارج الجامعة واستعمال الغاز المسيل للدموع لذلك.
ينبغي ان نذكر القارئ ان هذه المسألة انطلقت من تظاهرة نظمها طلبة إسلاميون للتذكير بفلسطين، ما الذي يجمعنا إن لم تجمعنا فلسطين ؟ سؤال لن تجد له جوابا. ويزداد تعجبك إذا ما علمت أن هذه الانتهاكات تحصل في كلية الحقوق، أي حقوق درسها هؤلاء الراديكاليون بربكم ؟ للإسلاميين الحق في ممارسة نشاطهم وفي عقد اجتماعاتهم العامة وهم مستعدون للدفاع على أي طرف آخر لتأمين حقه في النقاش والحوار ليكون الصراع في الجامعة صراع أفكار لا صراع أفراد. وهذا ما ذكر به شباب النهضة بالجامعة وأعادوه مرارا وتكرارا ولكن كيف السبيل للحوار مع من يمنعك من نشاطتك وإيصال صوتك للناس ؟ يذكرنا هذا بالعهد البائد حيث كان يمنع الناس من إيصال صوتهم وأفكارهم حتى إذا ما استبسلوا من أجل هذا الهدف وصمهم إعلام العار بالتعصب والتطرف. لقد علمتنا ثورتنا أن الساحة للجميع وينبغي أن تبقى كذلك وندافع عن حق مخالفينا في ذلك وهذا ما عاهدنا ربنا عليه، ولكنها علمتنا أيضا أن الكلمة لا تمنح، بل تفتك. وإن كان البعض لا يزال لا يفرق بين الطلبة التجمعيين وبين الطلبة الإسلاميين وأصابه عمى الألوان فاعتقد لوهلة أن كلاهما طرف واحد وكلاهما يلتقي عند الانتهازية والمنحة ويفترق عند المحنة فهو واهم، وليكن ما حصل البارحة درسا لمن يريد أن يرفض أي طرف آخر، أن الطلبة الإسلاميين إذا ما صعدت معهم صعدوا، وإذا ما استبسل الراديكاليون في الدفاع عن باطلهم استبسلنا في الدفاع عن حقنا ولا يهمنا ما يبلغنا من ضر من بعض وسائل الإعلام التي تخفي ضوء الحقيقة بإصبع، لقد اعتدنا على ذلك لمدة 23 سنة وسنواصل بإذن الله حتى ندحر ابن علي من وسط جامعتنا ولتكون جامعة للجميع. 




dimanche 1 avril 2012

أبناء المشروع الإسلامي في مهب الريح - الجزء الأول



إن أي مشروع لا يقوم إلا على أكتاف من يؤمنون به إيمانا جازما ويحيطون بكل جوانبه ويعلمون خصوصياته وجميع حيثياته، وكلما زادت أهمية المشروع وعظم كلما تطلب جندية أكثر لمريديه. من هنا كان تركيز المفكرين الإسلاميين على نوعية الإسلاميين بدل تركيزهم على الكمية، فالكم لا يغني شيئا على حساب النوعية، "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة"، "وإذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا". صنّف هؤلاء المفكرون العديد من الكتب في تزكية النفس، وإذا علمنا أن الإسلام يركز بصفة خاصة على الروح وتزكيتها وعلى النفس وتنقيتها وعلى الأخلاق وإنمائها فضلا على صيانة علاقة العبد بخالقه من جهة وعلاقة العباد بعضهم البعض من جهة أخرى، علمنا أهمية الخطوة الأولى : تزكية النفوس، وهو جزء مهم نجد فيه عدة أبواب من قبيل الإخلاص، النية وما إلى ذلك من العقيدة السليمة وذم أمراض القلوب وذكر صفات وأخلاق المسلم كالإيثار والإحسان (إلخ ...). بعد إستيعاب هذا الجانب يشرع المسلم في التوغل في مسائل شمولية المشروع الإسلامي وخور ما دونه من مشاريع ثم يدرس الحركية في هذا المشروع وعلى رأسها النظام والعمل الجماعي وأولوية الهدف وتغييب الذات في سبيله على ألا يحسب الفرد منا للحظة أن قد أتم الجزء الأول، أقصد التربية الروحية، فإنها لا تفارق المسلم ولا يتعالى عليها إلا مكابر ولا ينبغي أن تمل النفوس من ذكرها وتعاهدها حتى لا تصدأ، ولا شك أن هذه الخطوات تأخذ من الوقت الشيء الكثير حتى يتم إستيعابها بالشكل المطلوب، بل ينبغي أن تملأ حياة الفرد منا من المهد إلى اللحد، ومن ثم العمل بما تعلمه الفرد منا، وهو الأهم، وكذلك العمل على تفادي أروقة الزيغ والإنحراف، وهو الأكثر أهمية فهو الأساس، وما يفيد المشروع الإسلامي من كان ذا وجه كالح وقلب مسود أو من لم يخلص نيته لله (؟). 

هذا ما نستخلصه ونتعلمه سواء مما يدلنا إليه علمائنا ويرشدونا إلى تعلمه الأول فالأول أو من سيرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وهذا ما نلحظه جليا خاصة في بداية الدعوة المحمدية في معيار إختيار أصحابه لما كان إسلام الصحابة مقترنا بالشدة والعذاب والأهوال، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ليعطي إعتبارا إلا للنفوس الملقاة عليها عاتق هذه المهمة في مرحلة الدعوة السرية، ثم لما أمر الرسول الأكرم بالصدع بما لديه كان لزاما عليه أن يصوغ من هؤلاء الرجال قرآنا يمشي فتكررت لقاءاته بهم في دار الأرقم ونهلوا من أخلاقه قبل علمه وسمته قبل حكمته صلى الله عليه وسلم فكانوا دعاة إلى دين الله قبل أن ينطقوا وقبل أن يأمروا وينهوا بل كانت أخلاقهم وديدنهم وتصرفاتهم في صميم الدعوة، أليس ذاك ما تعلموه من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعود جاره اليهودي الذي ما فتئ يؤذي النبي ؟ أم من تلك المرأة التي أعانها صلى الله عليه وسلم على حملها الثقيل فلم تجد له أجرة إلا أن تنصحه فشكرته وعرضت عليه النصيحة فقبل لتقول له إياك أن تتبع محمد ؟ فلما سمعت أن الرجل الذي أعانها هو من حذرت منه أعلنت إسلامها ؟ ولم تلبث هذه الأخلاق ذات الأنوار المنبعثة من هداه صلى الله عليه وسلم أن تنعكس على مرآة حال الصحابة رضوان الله عليهم فضربوا أروع الأمثال في الدعوة إلى الله بأخلاقهم. وسيرة سلفنا الصالح إمتداد لذلك فقد كانوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه رضوان الله عليهم وحري بدعوة حملها صناديد العلم والعمل أن تلقى صداها في الأرض وتنعكس النظريات المكتوبة إلى واقع ملموس يضفي بضلاله على جاهلية مقيتة.

كلنا يعلم أن الدعوة المحمدية قامت على أكتاف الشباب، لكن أي شباب ؟ إن الشباب الذي درس على يد الرسول الأكرم صلى الله عليه كان يتقن الإستماع لا السماع، والعمل لا التنظير، والمبادرة لا الإكتفاء بالمراقبة. وهنا وجب علينا أن ندرس حال أولئك القمم ونقارن بحالنا اليوم لعلنا نرتقي بأنفسنا ونتتبع الآفات والزلات لتفاديها.

من أبرز الآفات التي نلحظها هي الإهتمام المفرط بالسياسة ونسيان المنهج، لا شك أن المنهج مذيّل بالسياسة ولكن كما وضحت في بداية المقال أهمية المرحلية في عملنا والبدأ من بدايات الأمر لا من نهاياتها، فلا يحق لنا تجاوز المراحل حتى لا تكون خطواتنا خطوات أعرج فضلا على أن النهاية لا تصلح إلا إذا صلحت البداية ولا يستقيم الظل والعود أعرج، وإن كان الواقع قد فرض علينا في تونس أن ننشغل بالسياسة وتعجيل كسب معركتها فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يغيب المجال الفكري والوعي بالمنهج والإحاطة به والعمل على الإستزادة من النهل من ينبوعه. إن فكر الحزب هو أساسه ولا حزب دون فكر ولا إنتماء للحزب دون وعي بمدار فكرته وأبعادها والإنتماء الحزبي الذي يسبق الإنتماء الفكري لا يكون ناجما إلا عن عاطفة لا تغني عن مشروعنا شيئا، وهل أن مشروعنا عاطفي أم أنه أضغاث أحلام حتى يكون لدى بعض شبابنا، بل حتى كبرائنا، ضبابيا غير واضح المعالم ؟ والحال أن الأقلام قد بلغ التعب منها مبلغا وهي تكتب في توضيح المشروع الإسلامي ومن الخور أن يدعي داع أن تلكم الأفكار إنما لعقلاء القوم دون عامتهم ولكبرائهم دون غيرهم وإن كان ذلك كذلك فإن هذا الإدعاء لا يدل إلا عن عقلية التواكل التي قد نخرت همم الشباب فضلا عن الشيوخ. أدى هذا الشرخ العظيم لدى بعضنا لسطحية التفكير بطريقة مقيتة حتى إنك تحاول جاهدا البحث على الفايسبوك على إحدى الصفحات الإسلامية التي تنشر المقالات الفكرية وتهتم بالمنهج الإسلامي وتبين خور المناهج الأخرى بالحجة والدليل فلا تجد أو تكاد، في حين أن عينك تقر بكل ما سوى ذلك من تفاهات الامور وسفاسف المواضيع حتى صار الفايسبوك _ والذي أعتبره من المعايير التي تمكنك من التقييم، إلى حد كبير _ مجالا لتضييع الأوقات وإستهلاك الطاقات عوض أن يكون محفزا لتجديد الهمم وشحذ العزائم وتبيين ما يرنوا إليه الإسلاميون. ولا شك أن السلسلة تستمر لتكون نتيجة هذه النتيجة التي ذكرتها هي حوارات بائسة هنا وهناك أقل ما يقال عنها أنها تضر دعوتنا ولا تنفعها، تنتطلق بالشخصنة لتنتهي عند أردئ الكلام لنصور بذلك صورة مشوهة عما ينبغي أن يكون عليه الإسلاميون، وهل تنتظر خلاف ذلك إذا ما علمت أن السلطة الرابعة منهكة في شتمنا وسبنا وكنا عونا لها لإثبات التهمة على أنفسنا بصفحات الفايسبوك في كثير من الأحيان ؟ فعوض ان نجعل من هذه الساحة الإعلامية مصدر قوة ودفاع جعلها بعضنا سيفا قد سلط على رقابنا، فكيف لك حينها أن تتحدث عن الصدق والأمانة والتبرأ من الباطل والإنتساب للحق في حين أنك تجد مئات الأمثلة من "الإسلاميين" التي تنقض دعاويك، تعلم خطورة هذه الظاهرة إذا ما علمت أن الإسلاميين يعطون أهمية قصوى للأخلاق فإذا ما غابت تساوى الإسلاميون مع غيرهم وهذا من الخطورة الشديدة بمكان، فهي طعن في صميم المنهج. توالت ثمرات "تغييب المنهج" لتولد عدم إلمام به لدى غالبية المريدين مع سطحية في شديدة في التفكير وفي دقائق الأمور كرستها ساحة الفايسبوك السطحية لتكون رادعا عن الأسئلة الجادة المنتجة للبحث عن الإجابات الكافية الشافية، هذه الضبابية والسطحية كافية لتجعل من الإسلاميين حصنا حصينا للمدافعة على القضايا الفاشلة وعدم الإهتمام بالقضايا الجوهرية وكم يؤلمني ويؤرقني أن أجد يوم 14 جانفي 2012 شيوعيون يتحدثون في حلقاتهم عن الفقر والجهات المحرومة ودخل الفرد في تونس والمديونية وقضايا أخرى مصيرية في حين أن إسلاميون من جهة أخرى يتحدثون عن علم سايكسبيكو الكفري مقابل راية العقاب راية العزة والتمكين والنصر والتي يقف في جهتها المقابلة يقف ضد راية الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان السببين المذكورين محفزا مهما لإختلاق الصراعات الوهمية ذلك اننا محامون بائسون عن القضايا الجوهرية المهمة ولا نجد لها حلولا ولا إجابات فشغلنا أنفسنا قبل الرأي العام بتفاهات اختلقناها لعلها تثير غبارا كافيا للتسلل بأقل إحراج في القضايا الهامة، للأسف. يمكننا أن نحوصل هذه النتيجة بأنها اهتمام بالأشكال والمظاهر لا غير، فعندما تجد الشيوعي يتحدث عن المفقرين ونحن نتحدث عن العلم، أو تجد إسلاميون يجمعون السلاح بنية الدفاع عن النفس في المستقبل في حين أن خصومنا السياسيون يتحصنون في المنظمات الحقوقية والنقابات، عندما تجد أن بعضنا لا زال يعتبر ابن علي ولي أمر في حين أن خصومنا يطالبون باسترداده ومحاكمته، وحين تجد بعضنا يحرم الصور وخروج المرأة وما إلى ذلك، تعلم سبب ما قاله الإمام الغزالي رحمه الله أن البعض ممن "يشتغل" بالفتاوى مثله كالجزار يبحث عن ضحية. ولن أفصل في هذه المسائل من ناحية شرعية فلها مجالها ولها من يجيب عليها ولكن سأتطرق هنا فقط للأسباب والنتائج لعلها تجد أذنا سامعة. لا يفوتني أن أذكر أيضا أن الكثير من الإسلاميين لا تعرف أي منهج يتبعون، ولربما تجد أحدهم في مقر حركة النهضة ولكنه مدخلي، وآخر اخواني ولكنه يبارك المنهج الجهادي، وهكذا، مؤكد ألا تفهمهم إن لم يكونوا هم أنفسهم لا يفهمون أنفسهم، وقد سمعتها من الكثيرين وغير مرة وهذا يدل على أن ثقافة فيديو الدقيقتين وستاتو السطرين قد تركت في البعض منا جرحا عظيما، وكانت من ثمرات هذا ألا تجد الإسلامي قد ثبت على حال، فتجده مع العلماني يدافع عن علوية القانون ولكنه ينقلب سلفي مع السلفيين ويدافع عن وجوب انتهاك القوانين الوضعية، وهكذا، ينقلب مع أي كان وتوجهه الريح حيث دارت، منهجه اللاطعم واللارائحة واللالون يذوب مع كل منهج آخر وينحل والأخطر أن يُبنى على كتف هؤلاء "مشروع".