dimanche 1 avril 2012

أبناء المشروع الإسلامي في مهب الريح - الجزء الأول



إن أي مشروع لا يقوم إلا على أكتاف من يؤمنون به إيمانا جازما ويحيطون بكل جوانبه ويعلمون خصوصياته وجميع حيثياته، وكلما زادت أهمية المشروع وعظم كلما تطلب جندية أكثر لمريديه. من هنا كان تركيز المفكرين الإسلاميين على نوعية الإسلاميين بدل تركيزهم على الكمية، فالكم لا يغني شيئا على حساب النوعية، "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة"، "وإذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا". صنّف هؤلاء المفكرون العديد من الكتب في تزكية النفس، وإذا علمنا أن الإسلام يركز بصفة خاصة على الروح وتزكيتها وعلى النفس وتنقيتها وعلى الأخلاق وإنمائها فضلا على صيانة علاقة العبد بخالقه من جهة وعلاقة العباد بعضهم البعض من جهة أخرى، علمنا أهمية الخطوة الأولى : تزكية النفوس، وهو جزء مهم نجد فيه عدة أبواب من قبيل الإخلاص، النية وما إلى ذلك من العقيدة السليمة وذم أمراض القلوب وذكر صفات وأخلاق المسلم كالإيثار والإحسان (إلخ ...). بعد إستيعاب هذا الجانب يشرع المسلم في التوغل في مسائل شمولية المشروع الإسلامي وخور ما دونه من مشاريع ثم يدرس الحركية في هذا المشروع وعلى رأسها النظام والعمل الجماعي وأولوية الهدف وتغييب الذات في سبيله على ألا يحسب الفرد منا للحظة أن قد أتم الجزء الأول، أقصد التربية الروحية، فإنها لا تفارق المسلم ولا يتعالى عليها إلا مكابر ولا ينبغي أن تمل النفوس من ذكرها وتعاهدها حتى لا تصدأ، ولا شك أن هذه الخطوات تأخذ من الوقت الشيء الكثير حتى يتم إستيعابها بالشكل المطلوب، بل ينبغي أن تملأ حياة الفرد منا من المهد إلى اللحد، ومن ثم العمل بما تعلمه الفرد منا، وهو الأهم، وكذلك العمل على تفادي أروقة الزيغ والإنحراف، وهو الأكثر أهمية فهو الأساس، وما يفيد المشروع الإسلامي من كان ذا وجه كالح وقلب مسود أو من لم يخلص نيته لله (؟). 

هذا ما نستخلصه ونتعلمه سواء مما يدلنا إليه علمائنا ويرشدونا إلى تعلمه الأول فالأول أو من سيرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وهذا ما نلحظه جليا خاصة في بداية الدعوة المحمدية في معيار إختيار أصحابه لما كان إسلام الصحابة مقترنا بالشدة والعذاب والأهوال، فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ليعطي إعتبارا إلا للنفوس الملقاة عليها عاتق هذه المهمة في مرحلة الدعوة السرية، ثم لما أمر الرسول الأكرم بالصدع بما لديه كان لزاما عليه أن يصوغ من هؤلاء الرجال قرآنا يمشي فتكررت لقاءاته بهم في دار الأرقم ونهلوا من أخلاقه قبل علمه وسمته قبل حكمته صلى الله عليه وسلم فكانوا دعاة إلى دين الله قبل أن ينطقوا وقبل أن يأمروا وينهوا بل كانت أخلاقهم وديدنهم وتصرفاتهم في صميم الدعوة، أليس ذاك ما تعلموه من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعود جاره اليهودي الذي ما فتئ يؤذي النبي ؟ أم من تلك المرأة التي أعانها صلى الله عليه وسلم على حملها الثقيل فلم تجد له أجرة إلا أن تنصحه فشكرته وعرضت عليه النصيحة فقبل لتقول له إياك أن تتبع محمد ؟ فلما سمعت أن الرجل الذي أعانها هو من حذرت منه أعلنت إسلامها ؟ ولم تلبث هذه الأخلاق ذات الأنوار المنبعثة من هداه صلى الله عليه وسلم أن تنعكس على مرآة حال الصحابة رضوان الله عليهم فضربوا أروع الأمثال في الدعوة إلى الله بأخلاقهم. وسيرة سلفنا الصالح إمتداد لذلك فقد كانوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه رضوان الله عليهم وحري بدعوة حملها صناديد العلم والعمل أن تلقى صداها في الأرض وتنعكس النظريات المكتوبة إلى واقع ملموس يضفي بضلاله على جاهلية مقيتة.

كلنا يعلم أن الدعوة المحمدية قامت على أكتاف الشباب، لكن أي شباب ؟ إن الشباب الذي درس على يد الرسول الأكرم صلى الله عليه كان يتقن الإستماع لا السماع، والعمل لا التنظير، والمبادرة لا الإكتفاء بالمراقبة. وهنا وجب علينا أن ندرس حال أولئك القمم ونقارن بحالنا اليوم لعلنا نرتقي بأنفسنا ونتتبع الآفات والزلات لتفاديها.

من أبرز الآفات التي نلحظها هي الإهتمام المفرط بالسياسة ونسيان المنهج، لا شك أن المنهج مذيّل بالسياسة ولكن كما وضحت في بداية المقال أهمية المرحلية في عملنا والبدأ من بدايات الأمر لا من نهاياتها، فلا يحق لنا تجاوز المراحل حتى لا تكون خطواتنا خطوات أعرج فضلا على أن النهاية لا تصلح إلا إذا صلحت البداية ولا يستقيم الظل والعود أعرج، وإن كان الواقع قد فرض علينا في تونس أن ننشغل بالسياسة وتعجيل كسب معركتها فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يغيب المجال الفكري والوعي بالمنهج والإحاطة به والعمل على الإستزادة من النهل من ينبوعه. إن فكر الحزب هو أساسه ولا حزب دون فكر ولا إنتماء للحزب دون وعي بمدار فكرته وأبعادها والإنتماء الحزبي الذي يسبق الإنتماء الفكري لا يكون ناجما إلا عن عاطفة لا تغني عن مشروعنا شيئا، وهل أن مشروعنا عاطفي أم أنه أضغاث أحلام حتى يكون لدى بعض شبابنا، بل حتى كبرائنا، ضبابيا غير واضح المعالم ؟ والحال أن الأقلام قد بلغ التعب منها مبلغا وهي تكتب في توضيح المشروع الإسلامي ومن الخور أن يدعي داع أن تلكم الأفكار إنما لعقلاء القوم دون عامتهم ولكبرائهم دون غيرهم وإن كان ذلك كذلك فإن هذا الإدعاء لا يدل إلا عن عقلية التواكل التي قد نخرت همم الشباب فضلا عن الشيوخ. أدى هذا الشرخ العظيم لدى بعضنا لسطحية التفكير بطريقة مقيتة حتى إنك تحاول جاهدا البحث على الفايسبوك على إحدى الصفحات الإسلامية التي تنشر المقالات الفكرية وتهتم بالمنهج الإسلامي وتبين خور المناهج الأخرى بالحجة والدليل فلا تجد أو تكاد، في حين أن عينك تقر بكل ما سوى ذلك من تفاهات الامور وسفاسف المواضيع حتى صار الفايسبوك _ والذي أعتبره من المعايير التي تمكنك من التقييم، إلى حد كبير _ مجالا لتضييع الأوقات وإستهلاك الطاقات عوض أن يكون محفزا لتجديد الهمم وشحذ العزائم وتبيين ما يرنوا إليه الإسلاميون. ولا شك أن السلسلة تستمر لتكون نتيجة هذه النتيجة التي ذكرتها هي حوارات بائسة هنا وهناك أقل ما يقال عنها أنها تضر دعوتنا ولا تنفعها، تنتطلق بالشخصنة لتنتهي عند أردئ الكلام لنصور بذلك صورة مشوهة عما ينبغي أن يكون عليه الإسلاميون، وهل تنتظر خلاف ذلك إذا ما علمت أن السلطة الرابعة منهكة في شتمنا وسبنا وكنا عونا لها لإثبات التهمة على أنفسنا بصفحات الفايسبوك في كثير من الأحيان ؟ فعوض ان نجعل من هذه الساحة الإعلامية مصدر قوة ودفاع جعلها بعضنا سيفا قد سلط على رقابنا، فكيف لك حينها أن تتحدث عن الصدق والأمانة والتبرأ من الباطل والإنتساب للحق في حين أنك تجد مئات الأمثلة من "الإسلاميين" التي تنقض دعاويك، تعلم خطورة هذه الظاهرة إذا ما علمت أن الإسلاميين يعطون أهمية قصوى للأخلاق فإذا ما غابت تساوى الإسلاميون مع غيرهم وهذا من الخطورة الشديدة بمكان، فهي طعن في صميم المنهج. توالت ثمرات "تغييب المنهج" لتولد عدم إلمام به لدى غالبية المريدين مع سطحية في شديدة في التفكير وفي دقائق الأمور كرستها ساحة الفايسبوك السطحية لتكون رادعا عن الأسئلة الجادة المنتجة للبحث عن الإجابات الكافية الشافية، هذه الضبابية والسطحية كافية لتجعل من الإسلاميين حصنا حصينا للمدافعة على القضايا الفاشلة وعدم الإهتمام بالقضايا الجوهرية وكم يؤلمني ويؤرقني أن أجد يوم 14 جانفي 2012 شيوعيون يتحدثون في حلقاتهم عن الفقر والجهات المحرومة ودخل الفرد في تونس والمديونية وقضايا أخرى مصيرية في حين أن إسلاميون من جهة أخرى يتحدثون عن علم سايكسبيكو الكفري مقابل راية العقاب راية العزة والتمكين والنصر والتي يقف في جهتها المقابلة يقف ضد راية الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان السببين المذكورين محفزا مهما لإختلاق الصراعات الوهمية ذلك اننا محامون بائسون عن القضايا الجوهرية المهمة ولا نجد لها حلولا ولا إجابات فشغلنا أنفسنا قبل الرأي العام بتفاهات اختلقناها لعلها تثير غبارا كافيا للتسلل بأقل إحراج في القضايا الهامة، للأسف. يمكننا أن نحوصل هذه النتيجة بأنها اهتمام بالأشكال والمظاهر لا غير، فعندما تجد الشيوعي يتحدث عن المفقرين ونحن نتحدث عن العلم، أو تجد إسلاميون يجمعون السلاح بنية الدفاع عن النفس في المستقبل في حين أن خصومنا السياسيون يتحصنون في المنظمات الحقوقية والنقابات، عندما تجد أن بعضنا لا زال يعتبر ابن علي ولي أمر في حين أن خصومنا يطالبون باسترداده ومحاكمته، وحين تجد بعضنا يحرم الصور وخروج المرأة وما إلى ذلك، تعلم سبب ما قاله الإمام الغزالي رحمه الله أن البعض ممن "يشتغل" بالفتاوى مثله كالجزار يبحث عن ضحية. ولن أفصل في هذه المسائل من ناحية شرعية فلها مجالها ولها من يجيب عليها ولكن سأتطرق هنا فقط للأسباب والنتائج لعلها تجد أذنا سامعة. لا يفوتني أن أذكر أيضا أن الكثير من الإسلاميين لا تعرف أي منهج يتبعون، ولربما تجد أحدهم في مقر حركة النهضة ولكنه مدخلي، وآخر اخواني ولكنه يبارك المنهج الجهادي، وهكذا، مؤكد ألا تفهمهم إن لم يكونوا هم أنفسهم لا يفهمون أنفسهم، وقد سمعتها من الكثيرين وغير مرة وهذا يدل على أن ثقافة فيديو الدقيقتين وستاتو السطرين قد تركت في البعض منا جرحا عظيما، وكانت من ثمرات هذا ألا تجد الإسلامي قد ثبت على حال، فتجده مع العلماني يدافع عن علوية القانون ولكنه ينقلب سلفي مع السلفيين ويدافع عن وجوب انتهاك القوانين الوضعية، وهكذا، ينقلب مع أي كان وتوجهه الريح حيث دارت، منهجه اللاطعم واللارائحة واللالون يذوب مع كل منهج آخر وينحل والأخطر أن يُبنى على كتف هؤلاء "مشروع".





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.