samedi 18 août 2012

على هامش حملة #إكبس

أطلق شباب من حركة النهضة حملة "إكبس" منذ فترة وجيزة تهدف للضغط على الحكومة لإنجاز أهداف الثورة والتي يقول أصحاب الحملة عنها أنها متباطئة في تحقيق هذه الأهداف وإنجازها خاصة أنها الوعود الانتخابية للأحزاب الممثلة للترويكا اليوم. 

قراءة في أسباب الحملة ..

عدم القطع مع أزلام النظام البائد، بل وتوليتهم مناصب داخل الحكومة والتعامل معهم عوض اتخاذ قرارات جريئة فيهم. التباطؤ في تطهير القضاء، الأمن، الإدارة وكذلك رجال الأعمال الفاسدين. ملفات البوليس السياسي والتي لم تفتح بعد فضلا عن المتورطين في جرائم النظام السابق بداية من مظلمة اليوسفيين إلى المظالم التي حدثت خلال الثورة. وغير ذلك من الأسباب التي دفعت شبابا من حركة النهضة إلى إطلاق هذه المبادرة حثا منهم للحكومة على القطع مع سياسة التردد والتي يعترف بها مسؤولين من صلب الحكومة فضلا عن كل متابع لسياستها. 
نستطيع أن نلاحظ من خلال الاسم الذي تم إطلاقه على الحملة، "إكبس"، عدة أمور منها أن الحملة تهدف أساسا لحث الحكومة على الحزم والتعامل بجدية مع كل متورط في تهمة ما خاصة تعطيل سير مؤسسات الدولة في هذه الفترة المفصلية من تاريخ البلاد أو تعطيل مصالح الدولة واقتصادها والسير العادي لمرافقها العمومية. فالدولة هي الحكم الذي يُلجأ إليه لفرض النظام وتحقيق المصلحة العامة وإذا ما انفرط العقد من يد الدولة حلت الفوضى وصار النظام بيد الأقوى ولعل الأقوى هنا يكون إما عشيرة أو حزب أو مجموعة من رجال الأعمال أو حتى نقابة، فالصرامة في التعامل مطلوب بل هي من أسّ مشمولات الدولة والتردد في التعامل بجدية مع مثل هذه الملفات يضعف الدولة ويفقدها مسؤوليتها. والاسم يدل أيضا على "رخفة" في تحقيق أهداف الثورة مما يحيلنا على أهمية "الكبس" في المضي في مسارها القاطع مع سياسات الماضي واتخاذ قرارات تكون في غالب الأحيان جامعة بين خطورة وأهمية وربما تقترن المجازفة بها في عديد الملفات الحساسة فذلك يبقى الخيار الثوري الذي ينقذ سمعة الحكومة ويكسبها ثقة المواطن عوض المهادنة التي يمكن أن تضعها في موضع الحَمَل الذي ينتظر موته إما بسكين من هادنهم أو بسكين من عقد فيهم الأمل عند انتخابهم. كلا الأمرين هنا مجازفة ولا شك أن الشباب الذي أطلق الحملة وصاغ أهدافها يرى في الخيار الثاني الخيار الأسلم الذي يحقق له الالتحام بالجماهير الرافعة لمطالب الثورة وإعادة ثقة المواطن في الحكومة.


ما وراء إطلاق الحملة ..

من اللافت للانتباه أن مطلقي هذه الحملة يدعون إلى تصحيح المسار الثوري الذي فقدته الحكومة وفي الوقت ذاته هم من المكون الأكبر لهذه الحكومة _ حركة النهضة الإسلامية _ مما دفع البعض للقول أن هذه الحملة مجرد بروباغندا سياسية صاغتها حركة النهضة باسم شباب منها ويقف وراءها قيادات الحركة. ورغم أن هذا التفسير التآمري لا يقف على أرضية صلبة لعدة أسباب سأبينها لاحقا إلا أن هذه النوعية من الفكر يدل على أن الساحة السياسية التونسية يشوبها بشكل واسع عدم ثقة وتشكيك كبير بين الاحزاب. وتتعدى هذه الظاهرة أنصار المعارضة تجاه أنصار الحكومة لتشمل أنصار الحزبين الآخرين من الترويكا الذي عرف كيف يتنصل من المسؤولية ويرمي جميع المشاكل لحزب واحد من الحكومة ولم يستطيعوا لعب دور الضاغط الداخلي على أحزابهم لقيادة القافلة نحو اهداف الثورة، وهو ما لعبه الآن أصحاب مبادرة "إكبس" من حركة النهضة في ظل التشكيك المتصاعد من قبلهم في الحملة. هذا ما يدفعني للتسائل إن كان هذا التحالف هو تحالف نخبوي للأحزاب لم يصل بعد للقواعد، وإذا ما يمكن أن يصل للقواعد ليشملهم في مرحلة أخرى، فالمشاكل التي تتعرض لها الحكومة وتعيشها تشمل أنصار جميع أحزاب الترويكا في حين أن المتابع يعتقد لوهلة أن أنصار التكتل والمؤتمر من المعارضة وعوض الدفع نحو تصحيح المسار خيروا التشكيك في حملة "إكبس" والدندنة بمنطق المؤامرة. 
لا يمكن أن تكون الحملة ضمن أجندة سياسية لحركة النهضة فالأجندة الوحيدة التي تملكها هذه الحركة ومن وراءها الحكومة هي تحقيق اهداف الثورة لا مجرد المطالبة  بها إذ أن بيدهم مقاليد الحكم اليوم وهم المكون الأبرز للترويكا ولو ضربنا جدلا أنهم من اطلق الحملة فإن إطلاقها باسم شباب من الحزب كفيل بتشويه هذه الحملة من بدايتها فإنشائها باسم شباب من الثورة أسلم لهم. لكن من الواضح أن أصحاب الحملة ممن لا يملك أمرا ولا نهيا وظل يدافع على مطالب الثورة ويطالب بها إلى أن تقطعت به السبل فأطلق هذه الحملة في خطوة أولى للضغط قابلة لاتباعها بخطوات اخرى تصعيدية حسب ما أفاد به بيان الحملة وناطقها الرسمي مصعب بن عمار.



ويمكن ان نستنتج من هذا ما تعيشه حركة النهضة في داخلها فخلافا لما يقوله البعض من اتهام لشبابها باتباع سياسة التجمع من تصفيق و"تبندير" ومضي على خطى القيادات في محاولة لتشويه الحزب نرى أن للشباب رأيه الذي قاده في آخر المطاف لهذه الحملة وظل متشبثا به طوال الوقت الذي رأى خلاله خورا ساءه في هذه الفترة الانتقالية. ولا شك أن هذه الحملة سبقتها مقابلات ومحادثات وسجالات طويلة بين القياديين وشباب الحركة ممن يتبنى مطالب هذه الحملة. لذلك، فإن هذه الفئة من الشباب والذي يمثل العمود الفقري للحركة سواء في الترويج لسياستها عبر الفايسبوك أو التعويل عليه في مكاتبها وتظاهراتها يمثل الخط الأول لتصحيح المسار داخل الحزب إن مال وتفريغ الحزب من هؤلاء يمثل خطرا بالغ الضر على البلاد قبل الحزب. ويمكننا أن نقول أن انتمائهم الفكري لحركة النهضة هو الرابط الأوثق بينهم وبين حزبهم لذلك ضلت هذه الحركة متماسكة في حين أن أحزابا اخرى تفجرت عند أول مضيق سياسي لها متوجهة نحو احزاب أخرى تحمل نفس الفكر بواجهة اسمية أخرى. بيد أن هذا الأمر لا ينبغي أن يؤخذ باعتباره مدح لحركة النهضة بقدر ما يؤخذ في مقام الحذر من بلوغ السيل الزبى كما بلغ عند إطلاق حملة "إكبس"، خاصة أن بيان الحملة تضمن عبارات من قبل "تصعيد" تدل على مسالك أخرى يمكن أن تتبناها الحملة.

حملة مضادة دون أهداف ..

ومما ينبغي ملاحظته أيضا الحملة المضادة التي سميت بـ"ارخف البندير" ردا على حملة "اكبس". ولا أدري ما أهمية هذه الحملة المضادة وما هي أهدافها إلا أننا يمكن أن ندرج هذه الحملة في إطار "التنبير" الذي يمكن أن نطلق عليه وصف تافه بامتياز نظرا لعدم قراءة الحملة قراءة جدية والاكتفاء بصياغة أفكار مسبقة على عدو هلامي يرونه في حركة النهضة وكل من انضوى تحتها. فأهداف حملة "اكبس" تعبر عن مطالب الثورة وسقف المطالبة عال ولا أظن أن أحدا من المحللين السياسيين يمكن أن يستشرف تحقيق هذه المطالب في القريب العاجل فتحقيقها صعب المنال ويحرج الحكومة ومن وراءها حركة النهضة ويوقعها في ازدواجية معايير بين الحفاظ على اقتصاد البلاد واتخاذ قرارات ثورية ضد رجال الأعمال ونقابيين وإعلاميين تورطوا في منظومة الفساد، وبين أن توكل تسيير شؤون عدة قطاعات لأصحاب سجل أبيض تنقصهم الكفاءة وبين أن توكلها لأصحاب سجل أسود يحسنون الإدارة، بين تحييد بعض الأعداء إلى حين وبين المعاداة الجذرية على أساس القطع مع أزلام النظام السابق ...
الواضح أن من أطلق هذه الحملة المضادة يدعو بكرة وعشيا لعدم انجاز هذه المطالب وعدم تحققها عسى أن يظفر بعدم ثقة المواطن بالحكومة الحالية وهذا الإنجاز الأبرز بالنسبة إليه ترقبا للإنتخابات القادمة. في حين أن الضغط الذي تبناه هؤلاء لم يتعدا قطع الطرقات والإضرابات وما يسمى بمحاولة قطع الأرزاق أما الضغط الإيجابي فقد تمت مواجهته بحملة مضادة بكل سرعة وبكل حزم، وهنا نسأل أليس منكم رجل رشيد، أليست تلك مطالبنا التي ينبغي أن نلتقي حولها ونجر إليها الحكومة جرا ؟!

إن أصعب ما تواجهه هذه الحملة هو إعادة تجميع القوى الشعبية التي وقفت في القصبة واحد والقصبة اثنين وفشلت في الإلتقاء مرة أخرى حول مطالبها طيلة هذه الأشهر الأخيرة. ربما يعود ذلك إلى أن المكون الأبرز لاعتصامي القصبة ظل ينتظر حكومته وحزبه ما الذي سيجنوه خلال فترة الحكم حتى تيقن أن المسألة أعمق من ذلك وتستحق إلى ضغط جدي لتوجيه مسار القرارات فأطلقوا المبادرة لإعادة الاحتكام لقوى الثورة من الشعب وإعادة لملمت الشمل للضغط الإيجابي والدفع نحو تحقيق مطالب الثورة.