samedi 11 mai 2013

خواطر بخصوص مسألة الخيمات الدعوية

بخصوص مسألة الخيمات الدعوية والفيلم الفايسبوكي المقام حولها

ملخص القضية، بعض الخيمات الدعوية تم منعها والظاهر أنها لأسباب مختلفة، والمؤكد أن أغلبها أسباب تنظيمية كمسألة الرخصة أو إعلام الجهات المعنية، وبعضها لعله بسبب تعنت هذه الجهات ونيتها المضمرة في عدم تيسير الامور وتعسيرها سواء بالتعلل بعدم إعطاء الترخيص أو "رميان الكورة" وإيعازها لمن هم أعلى منه بالجملة الشهيرة "أوامر من الفوق" أو قوانين .. تلك الخيمات الدعوية التي منعت صورت وتداولت على الفايسبوك أنها منع من "الطواغيت" للـ"دعوة" ومحاربة لله وما إلى ذلك من المصطلحات التي تزرع في النفوس فكرة المجتمع المسلم الطاهر الذي يريد نشر الدعوة مقابل قبيلة "قريش" بكل طواغيتها التي تحاصر الدعوة إلى الله وتنكل بالمؤمنين .. طبعا هذا هو المشهد الذي ينطبع في أذهان البعض عند مثل هذه الصدامات التي تصبغ بكلمات مفتاحية تحيل العقل على مشاهد الغزوات والحروب ضد الكفار أو في أقل المستويات تحيلنا لعهد قريب مع القمع وهي مسألة نفسية بحتة لا تلبث أن تردف بمجموعة من الابتهالات والدعوات على الطواغيت بمختلف أصنافهم بدء بالسلطات المعنية وصولا لأعوان الأمن إلى وزارة الداخلية فما يليها من جيش وطني ووزارات أخرى لتشمل دعوات التكفير التي صارت "موضة" تظهر وتختفي مع الأحداث ومدى التأثر النفسي للشخص لتشمل بعض الأحزاب والشخصيات والجماعات والزمر .. ثم يجب بعد هذا استغلال تلك العاطفة الجياشة التي ارتمت في أحضان الأوهام وذلك العقل المغتال الذي اغتيل متأثرا بكثرة أتباع العاطفة وقلة سالكي طريق التحليل والتمحيص حتى نعلن على الناس أنه استهداف منهج، وقطع لطريق الحق، وتكالب بين جميع الأحزاب والجماعات على أهل العقيدة، وهو حرب بين إيمان وكفر، بل هي حملة مسلطة علينا، فتكاد لوهلة أن تصدق لولا أننا عرفنا الحملات الأمنية ومعناها والتضييقات وكيفياتها والحصار ومآلاته، ثم لا تلبث أن تقرأ في بعض التعليقات أنها حملة أمريكية فرنسية وما إلى ذلك من التحليلات التي لا تتطرق أصل الموضوع ولا تنظر إلى ما بين أيدينا من سلطات إشراف وعملية قانونية ينبغي أن يسار عليها بل لا تبني إلا على الأصول الفاسدة لإصدار تحليلات أفسد ... هذا ما أسميه بفقه النكد (والفقه في اللغة يعني الفهم، هذه جملة استثنائية مفسرة تحسبا لأي ربط بين الفقه والنكد، اللهم سلم.)

 المتتبع للمسألة يجد أن أغلب الخيمات الدعوية قد أقيمت ولم يكن هناك أدنى إشكالية في غالبيتها العظمى حتى رأينا أنصار الشريعة يتباهون بقافلة وخيمة دعوية يوميا، والظاهر أن هذه الخيمات استوفت شروطها القانونية من رخصة (أو إعلام) وما يستتبعها من شروط يتوافق عليها إثر الاتفاق. لكن، وكما قلت، حصلت الإشكالية مع بعض الخيمات الدعوية وأزعم أن أغلبها بسبب عدم استكمال الشروط القانونية ولا أستبعد أن يكون بعضها بسبب معاداة الأطراف المعنية بالتواصل في الموضوع لمثل هذه الخيمات الدعوية. الإشكالية ليست في هذا بقدر ما يعتبر غلبة للعاطفية بأثر تلك "الكلمات المفتاحية" (الله أكبر، يحاربون الله، بعض الآيات، طغاة، كفر، لعنهم الله، دعاء، ... إلخ) على المنزع العقلي فلا يخطر ببال أحدهم حتى مجرد السؤال كأن يقال ما بال ذلك العدد الكبير من الخيمات الذي لم يمنع ؟ فلعل الإشكالية متعلقة بخيمات دون أخرى ؟ فيتخلص بهذا من المنزع الشمولي ومنهج (الأبيض / الأسود) المتبع ويخصص وينسّب الأمور، أو كأن يتسائل بعد أن ساير التيار في تحليلاته أن المنع بات قريبا وبعد فترة لا بأس بها فيتسائل وهو يرى الخيمات يقيمها ويقف فيها أإذا كان قد أخطأ في السابق والتسرع في احكامه ! لكن شيئا من هذا لم ولن يكن. فهي دعوة للتأمل في حال هؤلاء ! شيء لا يكاد يصدقه العقل، إذ أني أكتب هذه الكلمات ويتمثل أمامي هذا التضارب في عديد من الأشخاص في عدد لا يحصى من المواقف ...  

إن العيش في دولة يقتضي نظام، والنظام ينبغي أن يكون بمثابة العرف الذي يعيش به المجتمع، وهذا العرف لا ينبغي أن يكون هلاميا بل ينبغي أن يكون مكتوبا موثقا مسطرا بوضوح وتفصيل حتى يرجع إليه عند الاختلاف، وهذا ما يسمى القانون ! لدى بعض الإسلاميين سوء فهم عجيب للأمور فتراه إن قيل له أن فلانا الذي سيقيم بعض شأنه لم يسمح له ولم يرخص له لا يستكثر ذلك وتمر المسألة طبيعية، إذ أنه القانون يفرض نفسه، بينما إن قيل له فلانا لم يسمح له بإقامة خيمة دعوية تجده يربط ذلك بمعاداة الشريعة والإسلام والقرآن والرحمان وسرعان ما يبوء المانع بالكفران والويل والثبور وعظائم الأمور، في حين أنها أمور إجرائية ينبغي أن تراعى فتكون في الوقت المناسب وفي المكان المناسب والمنع لا يعني الكفر كما أن الترخيص في ذلك لا يعني الإيمان فالأمر يبقى في حيز القانون.

إن مشكلة السلفية الجهادية تكمن في فقدان الوعي التنظيمي لدى أفرادها وغياب التنظيم وإن كان قد بدأ على استحياء في أنصار الشريعة ولكنه لا يشمل إلى حد اللحظة الجزء الأهم من التيار فلا يزال التيار الفكري يطغى على الاسم التنظيمي، مما يدفع إلى تغليب الظن أن اتخاذ البرامج عند بعضهم تكون بطريقة اعتباطية ومستعجلة لا تراعي سلطات الإشراف ولا القوانين للسبب الذي ذكرته من عدم التنظم أولا ولعدم التعود ثانيا بل وربما لعدم الاعتراف بما يعتبر قانونا أو ترخيصا (هذا موجود، الغريب أنه يتبع القانون في حياته كلها إلا عند بعض المسائل مثل الخيمات الدعوية فتتحول الأمور من الجواز إلى الكفر بسبب أنه قانون وضعي).

فمن المهم ألا نحول المسألة إلى قضية صراع بين كفر وإيمان، ولا بين دولة وتيار معين، من المهم أن نوجه أعيننا لسبب المشكلة الحقيقي لا تزييفه عن حسن نية أو عن سوء نية، من المهم أيضا أن نتذكر أن من نعتبرهم "خصوما سياسيين" هم في الحقيقة يفوتوننا أشواطا في الوعي بهذه المسائل البسيطة والتي تحول وجهة نظرنا إلى مسائل زائفة وتسيل حبرا يذهب أدراج الرياح والأخطر أنه يشنج عواطفا ستهدأ بعد فترة أو عند معاينة الأمر وحل الأمور بعقلانية. كذلك من المهم أن نتذكر أن المنع في حالة لا يعني الاستهداف وإلا فقد منعت أحزاب من تنظيم أنشطة وكذا جمعيات ونقابات وغير ذلك وشخصيا لست جاهلا لتغيب علي مثل هذه الأمور فقد مرّ عليّ مثل هذا الامر سابقا (أقصد خيمة في مكان عام، وحصلت معي نفس الإشكالية)؛ والأهم من كل هذا لا نصعد أمر هينا ليكون مواجهة مع المؤسسة الأمنية (يعني، أعوان الطاغوت عندهم)، وأحسب أهواء قد استفحل بها الداء لتجعل من المواجهة مع (أعوان الطاغوت) نوعا من المراء، وتصعيد المواقف نوعا من (التعصب) المحمود وكل هذا يروج بتلك الكلمات المفتاحية التي تحدثت عنها سابقا ليكون الصراع مع الأمن "مقاومة جند الطاغوت" وعدم الانصياع لقوانين لا يختلف عليها اثنان (انصياعا للحق) وكل هذا أيضا يروج حسب القياس الفاسد. ولا أنكر أن غباء هذه الحكومة هي الأخرى كما سابقتها زاد الطين بلة من وجوه، فالهرع إلى الخيمات الدعوية بأفواج من سيارات الأمن هو عين ما يطمح إليه بعض السلفيون من خلال المواجهة مع الداخلية خاصة إذا ما تظافر الاستفزاز من الجانبين واشتد في بعض الحالات إلى عنف، ثم السكوت على هذا الموضوع وعدم توضيح موقف الحكومة يزيد استعار طرف لا يفهم القانون ولا يعمل به ولا يعترف به وهذا ظاهر من خلال تقرير إقامة الخيمات الدعوية في جميع الأنحاء في غضون أسبوع واحد ودون إشارة إلى اتخاذ أي خطوة لازمة لذلك، فلا الحكومة نبهت ووجهت وهذا من واجبها، ولا الطرف المقابل كان اوعى، فتظافرت الأسباب لاستعار الأجواء، فضلا أن يطل علينا السيد سمير ديلو إطلالته البهية بعد طول غياب فيصرح قائلا تونس ليست أرض دعوة بل أرض مواطنة في جملة ضبابية تعطي حجة إضافية لتأجيج الموقف، ثم يختفي بعد ذلك ولا يعطي تصريحا واحدا ولا توضيحا واحدا حتى على الفايسبوك أو التويتر حول كلمته ويترك الحبل على الغارب، فإن كانت هذه لا تعتبر صبيانية من الحكومة وتهاونا فات الحد مع طرف سلفي ينبغي أن يقطع بتاتا التعرض إليه في مثل هذه الأمور لعدة أسباب خاصة خلال هذه الفترة، إن لم نعتبر هذا تهاونا وتسيبا فما هو التسيب إذا ! وصدق المثل التونسي (شوية من الحنة وشوية من رطابة اليدين)

ثم أريد أن أذكر أربع مسائل، أولا، أدعو من يشكك في ما ذكرت ويصدرها على أنها استهداف وأنها منع وعدوان وأنها قرار صهيوأمريكي ومؤامرة سوفياتية ماكرة وما إلى ذلك من الخيالات أن يتصل بي على الخاص وسأتابع معه المسألة للحصول على ترخيص من السلطات المعنية ليقيم خيمته الدعوية في تونس العاصمة في مكان مناسب دون كثرة كلام في الموضوع ولا كثرة تحليلات فايسبوكية، فلعل خيمة دعوية في قلب العاصمة يحجب بعض الأوهام. ثانيا، العقلية الشمولية قد تحجب علينا من الخير الشيء الكثير، وتصور أن كل الأطياف المخالفة هي أطياف محاربة هو وهم يدفع إلى خسران الجميع بعداءهم في حين أن الأطراف متعددة وينبغي فهم خلفياتهم وكل ما زدنا في كثرة التصنيفات والفصل كل ما ازددنا دقة. ثالثا، كسب الناس يكون بالتنظيم والإلتزام والانضباط أكثر منه نجاعة من كسب الناس مبدين لهم أننا مظلومين ومقموعين ومجتهدين لتحصيل نصيبا من الظلم، فالواجب ألا نقع في ما نكره لا أن نجتهد لأن نقع فيه. أخيرا، الحريات كثيرا ما تقيدها سذاجة الأغبياء، والخير يدفعه غباء قلة على كثرة.

لأختم بما ذكرته سابقا وعممته : ((اللعبة التي يتقنها كل من وقف حماره عند العقبة لعب دور الضحية، إنها أيسر وسيلة للتمعش من عقول الناس.

ربما يفعلها من حسب انه ظلم وكان ذلك عن حسن نية فروج لخلاف الواقع ولم يدرك زلته، فهذا معذور يكشف عنه غطاء جهله. ويذكر "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"

لكن الاسوء أن يتمرس على ذلك من أخطأ وروج لخطئه على انه ظلم، والأدهى من ذلك أن يصدقه الناس. فيذكرون :"وجاءوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" ويذكر "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"

فتبينوا وتثبتوا أن تصيبوا قوما بجهالة ولو كنا لا نشك في إيمان الراوي وورعه فالعبرة بصدق الأخبار وحقيقتها لا بإيمان ناشرها وتقواه))





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.