dimanche 16 février 2014

1- في نقد السلفية وضرورة التجاوز : مقدمة

1- في نقد السلفية وضرورة التجاوز : مقدمة


بسم الله الرحمان الرحيم.
اللهم صلّ وسلم وبارك على سيد الأنام محمد بن عبد الله.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تَعَلَّمُوا العلم لتبَاهُوا بهِ العلماء، ولا لتُمَارُوا به السفهاء، ولا تَخَيَّرُوا به المجالس، فمن فعل ذلك النار النار" (1)

إن مراجعة الذات وإصلاح الأخطاء من أوجب الواجبات على المسلمين، ولا سبيل للإصلاح إلا بمراجعة الذات وتقويم المسيرة. رافعين شعار الإنصاف نصب أعيننا، وملتحفين لحاف النظر والتحقيق، عاملين بالمنهج القويم منهج القرآن وسنة النبي المصطفى عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم. ولولا النقد والتقويم لسلكنا الطرق المنحرفة دون أن نشعر، وانحرفنا عن السبيل دون وعي أو إدراك.

والنقد يحتاج ناقدا متحريا للحق لا قادحا بالباطل، مجتهدا في إدراك الصواب لا متسرعا في إطلاق الأحكام، قد أمعن في طلب دقيق المسائل المتنازع فيها في كتب المخالفين قبل غيرهم. ويحتاج النقد أيضا حتى يفي بغرضه، إلى منقود يقبل الحق إذا ما أتى عن مخالف له، نافرا عن هوى الكبر والأنفة، مستمسكا بعرى الإنصاف وإعمال الرأي، مبتعدا عن تقديس إمام أو شيخ أو فهم ومنهج، كل ذلك بعد التسليم بأن كل مسلم قد يصيبه رذاذ خطإ في الأفكار وأن ما عليه من حق في دقيق المسائل وخفيّها إن هو إلا جزء من كل، فليس الحق إلا شرارة التدافع العقلي بين آراء تتضارب، فاللبيب من صرع هواه ثم استمسك بنورها. حتى إذا ما كان ذلك زاد إلى جزءه من الحق أجزاء أخرى، وانتقل إلى مرحلة أخرى من الجهاد لإدراك الحقيقة.

وإن أهداف النقد هباء منثور إذا ما لم يلتزم الناس بأخلاق الإسلام، من سمو أخلاقي وتناصح ومجادلة ذوي الأحلام التي لا تحمل إلا بذور إدراك الحقيقة لأهل الحوار. فإن تبيّنت الحقيقة وظهرت سعد الجميع بظهورها ناقدا ومنقودا ولم يقع في قلب الأول حب الغلبة والظهور ولا في قلب الثاني بغض الهزيمة وخذلان الحجة، وإلا فإن مداواة أمراض القلوب أولى فإنها باب لإصلاح الأفكار.

وإني لست ممن يرضى عن تكالب الألسن على القذف والشتم واللعن فتزيد البغضاء في قلوب المسلمين. وقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق ! وهذا من الأمراض التي طمّت وعمّت حتى في بعض ممن زعم الإقتداء بسنة النبي ونسي ما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم من أجله. ولست كذلك من هواة صراع الديوك وتناطح الأكباش، مما يجري في كثير من الأحوال عند توجيه نقد أو إبلاغ رأي. فإن الواجب التبيين والنصح لا كثرة المهاترات بما وراءها من إضاعة المصالح والمنافع.

لم تزل فكرة الكتابة في هذا الموضوع تراودني منذ أكثر من عام ونصف حتى عقدت نيتي على كتابة مقالات معدودة في بعض المسائل عازما على أن اتخذها بحثا خاصا أستفيد من خلاله من البحث والرجوع إلى الكتب للنظر فيها ومراجعة ما قرأت منها فأرتّب لذلك أفكاري وأجمع ما قرأته منذ سنوات في هذا الموضوع في بحث أفرده لذلك. فأدوّن فيه رأيي في مسائل شتى وأحيل فيه سائلي من الاخوة إليه، فلا أتكبد عناء إعادة التبيين أو التحرير كل مرة. فأستفيد ويستفيد قارئه إذ أنه يُلفِي مقالا أكثر دقة وأكثر توغلا.

ما نويت أن أتجاوز الصفحات المعدودة في بادئ الأمر، فقلت لعل عشرين صفحة كافية ووافية. لكني لم أزل أكتب في الموضوع كلما وجدت فسحة من وقت وافقتها في نفسي همة للكتابة والبحث والاستقصاء حتى تجاوزت عتبة الثمانين، أعتبرها لم تبلغ إلا نصف البحث أو نحو ذلك. لذلك فإن مجموع هذا البحث الذي سأنشره في المدونة تباعا إن شاء الله قد يبلغ أن يكون كتابا في الموضوع عند تمامه.

لم أكن أنوي نشر المقالات إلا بعد إتمامها كلها ومراجعتها ثم نشرها مجموعة، ولكني وجدت صعوبة في إتمام البحث لضيق الوقت وتفرع الموضوع. فإن صلب الموضوع يتمثل في نقد الفكر السلفي في طريقته في التغيير والإصلاح وفكره السياسي، ولكن ما كتبته من مقالات ليس إلا مقدمات لا بد منها لتمهيد الحديث في المسألة. بداية من نظرة تاريخية مقتضبة، والمصطلح والأقسام، مرورا على أسباب الاختلاف فضلا عن منهجية فهم النصوص ... فالمقالات إذا مترابطة ارتباطا وثيقا وليست متفرقة المحتويات. وذاك التفرع في البحث صادف ضيقا شديدا في الوقت والحال أن الموضوع يستحق شيئا من تفرغ يسمح بالعودة للمراجع والدراسة يقع بعدهما التحرير، فقد تستحق كتابة بعض الأسطر قراءة كتاب، وقد يستحق أحد المواضيع قراءة كتب ودراسات وأبحاث. ورغم كل ذلك فإنك تجد في بعض المواضيع تفرعا شديدا وحاجة ملحة إلى مزيد البحث حتى تكاد ألا تبحث إلا في مسألة واحدة لا تبرحها. فالله نسأل السداد في القول والهداية إلى الحق.

لا أزعم أن ما سأنشره بحث ذا تخصص، ولا دراسة علمية أكاديمية مستوفية الأركان، ولا فصل الكلام وغاية القول، فقد بينت ما دفعني للكتابة أول الأمر. لكن حسبي أن يكون هذا العمل محاولة لجمع أطراف الموضوع وبحث في ثناياه. فيُعلم به محل النزاع ليدرك مؤيد الفكر السلفي موضع النقد والمآخذ فلا يرمي القول على عواهنه في من نقده ويخيل إليه جهلا ظنون لم تصح ولم تثبت. فإنك كثيرا ما تجد أحد السلفيين يتوهم أخبارا زائفة في ناقديه يعاديهم لأجلها، أو يتلقى القول على غير حقيقته وقد حفه التدليس من جوانبه فيصدقه غير محيط بالخبر علما. وكذا غيره من ناقديه، فإنك تجد فيهم من حمله البغض لهم على التحلل مما قالوه من الحق فخالفهم في الواضحات الجليات، وما هذا وذاك إلا مستحقون لمزيد البحث والتعمق وكثير من الإنصاف. وأرجو أن يجدوا في هذه المقالات ما يفيدهم.

وقد اعتمدت في الكتابة على علماء أفاضل، ومفكرين أفذاذ، ودارسين سبروا أغوار علوم شتى، فكان لهم عليّ فضل عظيم وأثر كبير. فإني قد رجعت إلى كتبهم واقتبست من أفكارهم ومما تعلمت واستفدت منهم.

أخيرا، وجب التنويه على أن المقالات التي سأنشرها قد أقوم بتعديلات فيها بعد نشرها أو إضافات إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك. ويسعدني تلقي توجيهاتكم واقتراحاتكم في التعليقات فإني سأعمل بها إذا ما وجدت فيها ما ينفعني ويرشدني في هذا البحث.

والله نسأل التوفيق والسداد.


(1): رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستردك


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.