dimanche 9 février 2014

الشباب التونسي والجمعيات الشبابية : في معادلة المحروم زائد المهمش

فسحت الحرية التي نالها الشعب التونسي بالثورة متنفسا للشباب للإقبال على الساحة المجتمعية العامة لمحاولة التغيير والإيجابية، بعد أن كانت فترة ما قبل الثورة مقبرة لكل تحرك ولكل مبادرة ينتهي صاحبها "وراء الشمس" غير مأسوف عليه.
والتحرك الذي شهده المجتمع التونسي بعد الثورة كانت له ثمار عديدة بالنسبة للشباب على رأسها التعارف فضلا عما وراء ذلك من تعلم واستفادة وتوحيد للرؤى والأفكار الذين لا تكون نتيجتهم كلهم مجتمعين إلا إطلاق المبادرات والحملات وحتى الجمعيات.

- الشباب وتحديات الجمعيات

الجمعيات والمنظمات طريقة ممتازة لخدمة الأفكار وتنظيم التحركات في عمل جماعي منظّم، فقدها الشباب التونسي لمدة طويلة وهو حاليا يحاول إرساء أقدامه بتؤدة في هذه الساحة الجديدة نحو اكتشاف قعرها وما فيه من درر.
إلا أن العزوف لا تزال الصفة الطاغية إزاء الجمعيات، مع قلة قليلة اتسمت بالنشاط والمثابرة. ويعود سبب العزوف إلى مجموعة من الأسباب، منها الذاتية ومنها خلاف ذلك. لا شك أن من أهم الأسباب الذاتية كثرة المشاغل التي يجد الشاب التونسي نفسه في مواجهتها، من دراسة وعمل طوال أيام الأسبوع، معَ عطلةٍ أسبوعيةٍ مكتظةٍ بمشاغلِ نهايةِ الجُمُعَةِ ومستلزمات الأيام القادمة. وكذلك قلة الوعي بأهمية الجمعيات والعمل الجماعي بل وربما فقدانُ بعضٍ آخر لعقلية الإيثار، أي إيثار الغير بوقتك وجهدك ومالك لخدمتهم وتقديم الفائدة لهم.
ومن الأسباب الأخرى أيضا، عدم مبالاة من وزارة الشباب (أو وزارة الثقافة أو غيرهما من الوزارات والمسؤولين ...) بالجمعيات الشبابية والقطاع الشبابي، عدم مبالاة تامة رغم الثرثرة الكثيرة حول الشباب وأهميته في المجتمع بما يذكرنا بعام المخلوع الدولي للشباب الذي كان مناسبة جيدة لطرده من قبلهم. تصل هذه اللامبالاة إلى حدود بعيدة يتعدد خلالها الممثلون واللاعبون الرئيسيون إلا أن المسؤولين الأساسيين هم القابعين في أعلى الهرم. تتجلى لك أبسط اللامبالاة وأولها في المسائل التنظيمية الروتينية التي يُعقّدُها البعض حتى يصل بك الحال أن تنتظر الساعات الطوال من أجل ورقة تظفر بها ليرخص لك "السيد فلان" أن تنظم مجرد طاولة تعريفية بجمعيتك، حتى أنك تحس ذلك الإحساس المهين، إحساس متسول أمام باب سيد القوم أقدم على "مزيّة" إزاءك. وربما آخرها هو إشكالية التمويل، وهنا لن تحس بإحساس المتسول لأنك لن تظفر بشيء على كل حال، وفي أغلب الأحوال فإنك تدخل العمل الجمعياتي بعقلية "ماحاشتيش تعاونونا غير سيبونا نخدمو رايضين".
لكن الحيرة تعصف بك عندما ترى ملايين المليمات التي ترمى في تفاهات الأعمال الهابطة، في حين لا تنال جمعيات شبابية شيئا لتحفيزها، بل تلقى من العرقلة ما يهد الجبال ويفتت الصخر. فكيف يطلب من الشباب العمل الجمعياتي دون أرضية ملائمة لذلك ؟ وهل للجمعيات الشبابية حظ في تونس ؟ أعتقد أن الجمعيات التونسية التي كتب لها الفاعلية في الساحة هي إما الجمعيات التي حظيت بالدعم الوزاري، أو الجمعيات التي حظيت بالدعم الخارجي أو على الأقل بدعم أصحاب "الأكتاف"، أو غير ذلك من الجمعيات التي لها من التعويل الذاتي ما يسد حاجتها ويلبي متطلباتها، أما الجمعيات الشبابية التي كثيرا ما يكون أغلب منخرطيها طلبة أو تلاميذ فإن تنظمهم في جمعية إيذان لحرب على عدة مستويات، بدأ بتنظيم أوقاتهم وإلتزاماتهم ونهاية بتوفير المستحقات المطلوبة، ومستحقات كراء المقر أشدها بأسا عليهم بطبيعة الحال، فإن وفروا ذلك فبالكاد يوفرون مستحقات تحرك بسيط خلال ذلك الشهر حتى يجدوا أنفسهم يجدوا ويعملوا ليفروا فقط مستحقات المقر، وإن تركوه ضيعوا الصبغة الرسمية للجمعية.
وهذا ما يطرح التساؤل جديا إن كان المسؤولون على أدنى علم بأهمية البحث والإستقصاء في الموضوع الجمعياتي في سلبياته وطوامه وغربلة شوائب الجمعيات الفقاعية التي لا تتكاثر إلا لمجرد الحصول على رخصة أخرى فتحوز بذلك حصص الجمعيات الأخرى الناشطة (جمعيات الأعشاب الطفيلية). وترتيب الجمعيات في ميزان الحساب على حسب ما قدمت من أنشطة وما ستقدم لا على حسب الأكتاف وعقلية "شدلي معاك بلاصة".
كل هذه الإشكاليات التي ذكرنا وأخرى كثيرة لم نذكر لهي أشد أسباب عزوف الشباب عن النشاط الجمعياتي.
إن العقلية التونسية عقلية براغماتية جدا بطبعها، ومن هذا المنطلق فإن سؤال أحدهم يكون : "يا خويا آش لزني بش نزيد على مشاكلي مشاكل جمعية ؟ فك عليك يا راجل. لا يزي لا خساير وقت وجهد ولا يزي تكسير راس".
لا شك إذا أن هذا الموضوع لا يستحق مقالا واحدا، بل يستحق مقالات متعددة، وأبحاثا ودراسات لتحسين الوضعية، وكم رجوت أن تتم دراسة الموضوع ومناقشته جديا وأن أجد الإعلام التونسي يعطي لهذا الموضوع حقه. فإن في تنظيمه ربحا لمال وفير وجهد كثير ووقت ثمين نحن في أشد الحاجة إليهم، وفي الإرتقاء به كذلك إرتقاء بالمجتمع كله.

- أهمية الجمعيات

فكرت أن أكتب فقرة في أهمية الجمعيات، فوجدت هذا من قبيل تعليل أمر متفق عليه أو إرشاد إلى قاعدة مجمع عليها، فلم أجد أفضل من ذكر تعدد المجالات التي تنشط فيها الجمعيات.
فقد تكون الجمعيات يدا تضامنية تمتد إلى الفقراء والمحتاجين فتقوم بحاجتهم وتسد بعضا من احتياجاتهم فضلا على أنها تمثل طريقا مضمونة وسليمة من يد المُتَصَدّقِ إلى يد المتصدق عليه، فيتجنّب الناس شبكات التسول المنظمة برقابة الجمعيات للحالات التي تسجلها في دفاترها وتعاينها. وقد تكون الجمعيات أيضا جمعيات تنموية وإصلاحية، تدرس محاولة تحسين الجهة أو المنطقة بدراسات تقوم بها وتعدها وتتعاون فيها مع الحكومة، بل وتنفذها في أحيان أخرى إذا ما كان في مقدرة الجمعية استطاعة. وقد تكون الجمعيات جمعيات ثقافية، تطور أشكالا فنية أو تعرف بهم أو تحث الناس عليها أو غير ذلك. وقد تكون جمعيات للترجمة، فترصد أفضل ما كتب حديثا وتترجمه للعربية. وقد تكون جمعيات إسلامية أو رياضية، أو جمعيات بيئية أو غير ذلك من أصناف الجمعيات.
فضلا على كل ذلك، فإنها تصريف للأوقات في ما ينفع، ومجال لتطوير الذات، وإرشاد للطاقات في ما يُنَمِّي لا في هَدر. فهل يستحق هذا دلالة على أهمية ؟

- تجربة رابطة الشباب الرسالي أنموذجا

كانت لي تجربة في العمل الجمعياتي في عدة جمعيات، أهمها كانت في إطار رابطة الشباب الرسالي. وهي جمعية شبابية تهتم بالمجالات التربوية، الدعوية، الثقافية والاجتماعية. ورغم الصعوبات التي واجهناها في إطار هذه الجمعية إلا أن ما قدم من قبل عناصر الجمعية كان محل إعجاب عدد كبير من المتابعين وإعجاب جمعيات أخرى وإشادة بالجهد المبذول والنتائج المحصّلة. رغم أن ما تم تجسيده من أنشطة لم يكن إلا نزرا يسيرا جدا من الأفكار التي يطمح إليها الأعضاء. فالحكم على التجربة إذا ما قورن بالإمكانيات القليلة استطعنا أن نمنحه علامة حسن، وهي ذات العلامة التي تمنح إذا ما قورنت التجربة بتجارب جمعيات أخرى. لكن إذا ما وضعنا الطموحات التي بدأنا بها في كفة، وما نفذ على أرض الواقع في كفة أخرى، فإن العلامة لا تفوق حسب تقديري : رديء.
الجمعية هي جمعية إسلامية، حاولت أن تخصص مجالا حرا للشباب للنشاط، وكذلك للشابات لممارسة أنشطتهن بمكتب خاص بهن. كانت هذه الرؤية نتيجة لمسألتين اثنتين، أولاهما أن جمعية تربوية دعوية يكون الفصل فيها بين الجنسين أفضل من الجمع تناسقا مع المرجعية الإسلامية للجمعية، وثانيهما هو إتاحة المجال للشباب أو الشابات لعمل مستقل يتوافق مع خصوصياتهم لممارسة أنشطتهم بأكثر أريحية، خاصة أن من بين الأنشطة الأنشطة المسجدية والمخيمات واللقاءات والسهرات الإيمانية وغير ذلك من الأنشطة التي يفضل في بعضها الفصل وفي البعض الآخر يتوجب ذلك فيها خاصة أن الشريحة الناشطة مقتصرة على الشباب. مع الجمع والتنسيق في الأنشطة  العامة مثل الندوات العامة.
إلا أنني وصلت لقناعة مفادها أن تكريس الفصل في إدارة الأنشطة أمر يعيق العمل ولا يقدم أي نفع يذكر، فضلا أن الفصل ينبغي ألا يكون القاعدة التي يسار عليها بل ينبغي أن تحدد الأنشطة التي يتوجب فيها وتقام على ذلك الأساس، مع جمع في بقية الأنشطة. وسبب ذلك أن قلة الزاد البشري للشباب العامل والفاعل في الجمعيات يوجب الجمع حتى في الأنشطة التي يفضل فيها الفصل. فهي إذا إشكالية تنظيمية داخلية. لكنني أحسب أن إعاقتها للعمل كانت بنسبة كبيرة جدا. وطبعا فإن هذا الأمر لا يحسم على أساس سؤال أن الفصل سيء أو جيد ويقطع بذلك في مختلف الحالات، ولكن يحسم فيه بناء على الاعتبارات المتاحة بين أيدينا. فنقول إذا أن خيار الفصل ضمن الاعتبارات التي عايشناها في تلك الفترة كان له نسبة كبيرة في إعاقة العمل ولم يكن في خدمة المشروع الذي طمحنا إليه، فقد كان قرارا خاطئا. (رغم أني كنت من مناصريه)

من الإشكاليات الأخرى كذلك، زيادة على قلة عدد الأعضاء وقصر التجربة وضعف الإمكانيات وأسباب غير ذاتية تحدثنا عنها أعلاه، عدم التخصصية في تطبيق البرامج. ذلك أن أي جمعية تهدف إلى العمل في مجالات متعددة، وتقوم بأنشطة مترامية الأطراف، من ندوات عامة إلى سهرات ولقاءات إيمانية إلى مخيمات ودورات تكوينية ومحاضرات مسجدية ومجال مخصص للكتاب مناقشة وقراءة وإصدارا، وغير ذلك من الأنشطة الأخرى المتفرقة. إن مثل هذه الجمعيات إن لم يكن عملها مقسما على مكاتب متعددة كل يشغر مجالا ويقوم على لبنة من هذا البناء فإنها لا محالة سائرة إلى استنزاف عدد قليل من الأعضاء إلى حد الوصول إلى الإنحدار في العطاء وأخيرا الملل والخمول. فكان من الأحرى، عوض دخول الساحة بمحاولة تطبيق جميع الأفكار بعدد قليل من الأعضاء، أن يهتم بمجال معين، يعمل في تفعيله والنشاط فيه دوريا، ثم بعد ذلك محاولة بعث مكتب آخر في مجال أنشطة أخرى، وهكذا بتوسع. وكل هذا لا يتم إلا إذا أخذنا بالإعتبار الأعضاء الفاعلة حقا، فإن الأعضاء تنقسم إلى مجموعات : فمنهم من ينتظر الإستفادة من الجمعية، وهذا لا يقوم به عمل، فهو في مقام المتفرج المشارك أحيانا. ومنهم كثير الكلام قليل الفعل، وهذا في حكم سابقه. ومنهم كذلك من يقدم على المواقع ليشغرها بالفراغ، وهذا هو الغائب بالحضور. ومنهم من إذا كلف بعمل أبدع فيه، ولا يعوّل إلا على هذا الأخير. وهذا نسبته في الشباب التونسي مقارنة بكل ما سبق، قليل في قليل في قليل في السواد الكثير. وتعلم أيها القارئ أن هذا الكلام حق، لا مجرد قذف في أهلية الشباب وعطاءهم.

كذلك، فإن التقوقع الذي وقعت فيه الجمعية كان سببا آخر سلبيا. ذلك أن التصور الذي انطلقنا منه هو تكوين مجموعة من أبناء المشروع الفكري للجمعية حتى تمتلئ بهم ولا تسير نحو احتواءها وتحويل وجهتها. ورغم وجاهة الفكرة لجمع عناصر متجانسة فكريا للعمل في رحاب الجمعية، خاصة أن الانسجام الفكري كان هاما فيها بسبب تعدد محاور عمل الجمعية، إلا أن المسير في هذا التوجه مدة طويلة كان سببا سلبيا لفسح المجال للشباب للتعرف على الجمعية بطرق منفتحة أكثر. فكأن هاجس الاختراق أو الخشية من أن يصطبغ جسم الجمعية الداخلي بالحوارات العقيمة والمهاترات التافهة أثر على التواصل مع الآخر، فهي معادلة صعبة وجب النظر فيها إلى حدين متابعدين أولهما الحفاظ على عناصر متزنة تهيؤ مجالا روحانيا لنشاط مسجدي أو لقاء إيماني بعيدا عن المهاترات والحفاظ على هوية الجمعية وتجانسها وثانيهما التواصل مع الآخر وتوسيع النواة. فأعتقد ان الكفة التي خرجنا بها كانت مائلة أكثر مما ينبغي إلى طرف التقوقع على الذات، فإن كان الأمر محدودا لفترة من الزمن فإنه مكروه إذا طال.

ورغم كثرة المآخذ والانتقادات التي يمكن أن تكال من مختلف الأعضاء، فتختلف وتتعدد وتتكاثر كلما زدنا في طول الحوار، إلا أنني أعتبر أن أهم إشكالية على الإطلاق هي تعدد الجمعيات الشبابية التي تتشارك في الأهداف ذاتها تقريبا، وقلة التنسيق بينهم.

- ترشيد التجربة الجمعياتية

فتجد في أحيان كثيرة جمعيات يمكن أن تندمج في جمعية واحدة فتريح وتستريح، تريح الناس من كثرتها وتستريح من العمل المنفصل الذي يحتاج أكثر مجهود وأكثر التزامات. وهذا دليل على غياب الحوار بين هذه الجمعيات وتوسع عقلية الفردانية على حساب عقلية جمع الشتات. إن الجمعيات العرجاء لن تستطيع التغيير، وليس الوقت الحالي وقت جمعيات همها نشاط أو اثنين خلال عام أو نصف عام. فإن لم يكن أصحاب هذه الجمعيات يفكرون بعقلية النشاط الدوري المنظم والمستمر، فينبغي أن يعلموا أن عملهم فاشل لا يرتقي للمأمول. ولا يمكن أن يصلوا إلى هذه المرتبة إلا إذا كان همهم قبل اسم الجمعية وصفتها وأصحابها ثمرة العمل والهدف.

إنك تجد كثيرا من الجمعيات التي تضع على جدول أعمالها تنظيم ندوات دورية، إلا أنها لا تضع على جدول أعمالها الاتصال بالجمعيات الأخرى للتنسيق على الأقل في هذا الموضوع. فإن تنظيم ندوات (محكمة وكبيرة ولها صدى) تحتاج لعمل دؤوب وحرص كبير وتمويل ذا شأن، وإذا ما أريد أن يكون الأمر دوريا فإن المسألة تصبح محتاجة لمكتب منفرد يحرص على تنفيذها وأكثر جهد. ولو تواصلت الجمعيات المهتمة بهذا الشأن في هذا الموضوع بين بعضها البعض وتمخض عن تواصلها تنسيقية في مسائل معينة تنظمها لكان الوضع أفضل.

مثال آخر لهذا الموضوع، وهو حول مسألة الكتاب، أو إن شئت المكتبة. فإن الفكرة تروق لجمعيات كثيرة، وكل واحدة منها تتسابق لجمع الكتب وإقامة مكتبة في مقرها عسى أن تجد إقبالا من الشباب لتشهد حركية في مقرها. والكتب ذات سعر مرتفع، ومال الجمعيات قليل، والطرق لتحصيلها وعرة، والجمعيات التي تسلك هذا المسلك كثيرة ومتعددة. فتفرقت الجهود وتشعبت ولم يهتدي البنان ليشير إلى مكتبة واحدة من هاته المكاتب الكثيرة ليصنفها كمرجع يعود إليه الباحث. ولم نجد دعوة واحدة بمحاولة توحيد الجهود بعيدا عن سقف أسماء الجمعيات الفلانية أو العلانية، فتكون تحت حملة لجمعيات متعددة مثلا، وتحيد عن مقرات الجمعيات لتكون في مقر مكتبة عمومية. فتحل إشكالية المقر وضبط الزائر بوقت، وتكون فرصة لتوسيع إحدى المكتبات العمومية، ويضاف إلى زادها زاد من الكتب الجديدة الحديثة، وفرصة أفضل لتوحيد الجهود في عمل مجد، عوض ان ينال الغبار من الكتب فوق رفوف مكتبات لا تطالها الأيدي في مقرات مغلقة غالب الوقت.

قد سعدت جدا سابقا بخبر مفاده أن إحدى الجمعيات تسعى لكراء مقر كبير يكون مجمعا لجمعيات كثيرة ومقرا لها، فتكون خلية نحل، لكن الفكرة سرعان ما آلت للفشل وعلى ما اذكر فأسباب ذلك تنظيمية وداخلية في جسم تلكم الجمعية. إلا أن الفكرة لا تزال ترن في أذني. مقر واحد لجمعيات عديدة تشترك فيه يكون شاسعا وجامعا ولمَ لا مقرا لمكتبة مشتركة فضلا عما سيوفره من أرضية لعمل مشترك. إلا أن مثل هذه الأفكار تحتاج لتنسيقيات ثابتة بين الجمعيات، تنسيقيات بين جمعيات جدية لا جمعيات فلكلورية تلوك القديم، جمعيات متحررة من الإشكاليات الداخلية التي تشيب من هولها رؤوس الولدان والعناصر المعرقلة الذين كثيرا ما سمعنا عن شطحاتهم. بل وربما كل هذه الجمعيات في حاجة إلى جمعية "تنموية" لفائدة الجمعيات الصغيرة والمتوسطة، تجمع رجال أعمال ومؤسسات لتشجيع هؤلاء والدفع ببرامجهم نحو التحقق فتكون ملجأ لهم إذا ما أرادوا التمويل يكتسبوه ببرامجهم وعملهم لا بولاءهم لفلان أو علان (بما أننا ابتلينا بوزارات دعمها معلوم لمن سيصرف مسبقا).

أعتقد ألا حل للجمعيات التونسية، إذا أرادت أن تعول على نفسها فتهتدي إلى التغيير، إلا بتفعيل العمل المشترك، والبرامج المشتركة، وليت كل نشاط يكون دوريا (نصف أسبوعي أو شهري) بمكتب موسع ومنفصل تشارك فيه جمعيات متعددة، فيجد المتابع أعمالا دورية يهتدى إليها وتلقى حظها الإعلامي أكثر لدى الشباب ويكون لها صدى أكبر، وإلا فإن عدم الإرتقاء بالعمل الجمعياتي منذر بانحدار إلى السفح.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.