vendredi 21 octobre 2011

ذكريات من السجون التونسية

قال صاحبي : دخلنا معتركا تغلب عليه أخلاق اللئام وكثيرا وما كنا نجاري أخلاق أناسه فلماذا دخلناه ونحن نعلم ما هو وما هم وما نحن ؟!
قلت : دخلناه لنصبغه بصبغة أخلاقنا ونطهره من الدرن الذي علق به.
قال : السياسة لا أخلاق لها وقد دخلناه ونحن نعلم ذلك وأوتينا من حيث نعلم وهذا في السياسة عين الحمق.
قلت : لم يكن حمقا لكن أردنا أن نقيم الحجة على كل الساسة في المدينة حتى لا يكون لهم علينا حجة يوما ما.
قال : ليس قدرنا أن نقضي سنوات السجن ونتحمل آلام من اجل إقامة حجة على بعض أناس لا يرعون للعهد إلاّ ولا ذمة. وقد كان لنا عليهم الحجة المرة تلو الأخرى وما تسميه أنت بالحجة لم يكن يتطلب منا كل هذه التضحيات وإذا لم تكن خِبّا فما كان ينبغي أن يخدعك الخب، وقد مرّ زمن وفعلنا في التاريخ والمجتمع معطّل ولا يهمل قيمة الزمن إلا من جهل معنى الفعل في الحضارة.
قلت : لست أنكر قيمة الزمن ولا معنى الفعل في المجتمع والتاريخ ولكن ...
ولكن ماذا ؟ قاطعني : تريد أن تبرر أخطاء وقعت ونعيش نحن الآن تبعاتها لعل مشكلتنا أيضا وجود كثير مثلك يبررون الخطأ ويتغاضون عنه.

استفزني حديثه كثيرا ولم أستسغ مقاطعته لي واتهامه إياي بالتبرير وهممت أن أقطع الحوار معه فلا أحد منا نجا من أثر السجن عليه ولكني كنت مدركا حرصه على مستقبلنا ومعنى ما يعانيه رجل يرى أن مكانه ليس السجن وأنه يموت كل لحظة، يذكر أن فعله في الحضارة معطّل ويعطله جلاد جاهل كان باستطاعتنا أن نزيحه من طريقنا لو أحسنّا إدارة المعركة ولعلي كنت أبادله الشعور نفسه، وكثير منا، بل كلنا يشعر بما يشعر به هو ولكنه استبق الحديث فاتهمني وعذرته حرصا على الحوار وحفاظا على أواصر الود التي تجمعنا وتفويتنا على الجلاد فرصة خلاف سعى إليها بكل الوسائل ومازال يقتنصها ليغنم نتائجها فينفرد بنا مشتتين وينجز ما منعه منا اتحادنا وماذا يفيد الخلاف والخطأ والسجن نعانيه وعلينا أن نضرب الرأي بالرأي حتى يبدو لنا برق الصواب.

هدّأت من روعه وقلت لا بأس لن أبرر الخطأ ولكن لن أبكي على ما فاتنا. نعم أخطأنا وعلينا أن نحسن تجاوز الخطأ ونهمل اختلافنا حول رأي قد لا نتفق عنده ولا يجدي خوضنا فيه فإذا أدركنا اننا خدعنا وان الساسة في المدينة قد نكثوا عهودهم معنا فلنبحث كيف لا نخدع مرة أخرى وكيف يكون تعاملنا مع من لم يحترم عهده، أليس أفضل من إضاعة الوقت، والسجن تجربة مفيدة برغم قساوتها ومرارتها وليس حتما أن نمرّ بهذه التجربة وحتما علينا أن نستفيد منها ما دمنا فيها وخضناها.

قال : اتعلم يا أخي، حديثك قادني إلى فكرة لو استطعنا أن نمررها ونقنع بها غيرنا لأدركنا ما فاتنا من الزمن.
قلت : وما تلك الفكرة ؟
قال : لا ينهزم احد في معركة حتى يهزم في نفسه أولا وأحسب أن الجلاد تمكن من بعض نفوسنا فمنهم من اخذته شدّة العذاب ومنهم من زعزعت ثقته وعلينا أن نغير ما بانفسنا حتى نستبق الزمن ونعمل لما بعد السجن.
قلت : أوضِح
قال : لماذا لا نقطع التعذيب من السجن وندفع بالجلاد إلى ذروة حمقه فينقلب إلى ضدّه ونحيا في السجن كما نريد نحن لا كما يريد هو حتى إذا خرجنا من السجن لم نضع الوقت في محو آثاء الانهزام في النفوس.
قلت : سيكون ذلك شديدا.
قال : وأشد منه سيكون، ربما تقتل أنت أو انا أو غيرنا وسنرى ألوانا من العذاب لم نعرفها من قبل وقد لا نلتقي بعد اليوم سيقذف بنا أو ثلة منا إلى الصحراء، وعلى سجون أخرى سيتوزع الباقي لكن ذلك لن يدوم ستكون معركة صبر لن يغلنا فيها فانظر ماذا ترى ؟

كان يحدثني كأنه من خطط فكل الذي توقعه كان، فلقد رأيتُني وأنا في الصحراء وقلبي يكاد ينفطر وأخ لي غيره يحدثني عن واحد من خيرة إخوتنا أعيا الجلاد صبره فطفق يزيده العذاب حتى ضاقت أنفاسه، كنت في القنّ وحدي حين رمي به إليّ، ضممته إلى صدري كان قاب قوسين أو أدنى من الموت، تأملني بعينين يشع منها رجل عرف الحق فاتبعه وأبى الظلم فقاومه فتاملني كانه يشفق على وحدتي أو يعجّل بوداعي، قال لي : اصبر ولا تحزن.

لم أشعر إلاّ والدموع تغمر خدّي تفيض على صدري، ثيابي، لم يكن هينا على نفسي أن أفارق رجلا مثله قتل غدرا .. أحببته أخا وأبا وابنا كان لا يخشى في الحق لومة لائم لكنه .. ما إن أدرك .. مات ..


من رواية برج الرومي (أول رواية عن تعذيب المساجين الإسلاميين والسياسيين في السجون التونسية) للكاتب سمير ساسي، المقتطف من صفحة 133-134-135-136

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.