jeudi 1 mars 2012

نحو أسلمة المجتمع ..


إعتمدت العولمة في عصرنا الحاضر على التكنولوجيا الحديثة في تصدير الثقافة الأمريكية حتى تعالت الدعوات في أوروبا من أجل العمل على حفظ الخصوصية الأوروبية، ولم تلبث أن تغولت العولمة في الدول الأوروبية على حساب بعضها البعض حتى خفتت أسهم بعض الدول وتسابقت أسهم دول أخرى لها وزن يؤخذ بالحسبان. تلمس ذلك في تقاليد تلك الدول وخاصة لغاتها المختلفة فقد أدركت أن مجابهة التحدي المفروض عليها لا يكون إلا بـ"عولمة داخلية"، إن صح التعبير، مما سيساهم في إحياء الخصوصية الذاتية وشد أواصر التقارب حتى لا ينفك العقد الذي يجمع بين الشعب الواحد وهذا ما أشار إليه المفكر المغربي محمد عابد الجابري في كتابه إشكاليات الفكر العربي المعاصر. لا بد من هذا المدخل البسيط الذي سيساهم في تخفيف استغراب القارئ للعنوان "أسلمة المجتمع" (؟) فهنا لا نقصد إعادة فتح جديد أو دعوة غير مسلمين للإسلام، بل إن ما أعنيه هو إحياء هذه العولمة الذاتية داخل المجتمع الإسلامي لمجابهة العولمة الخارجية التي أتت على تقاليدنا ومواريثنا وامتدت لتساهم في تفكيك الأبعاد الإسلامية فلم تبقي فينا ولم تذر (!) فلا معنى أن تعمل الدول الأوروبية على مقاومة هذا المد في حين تعجز البلدان العربية، على تشاركها في الدين واللغة والتاريخ والتقاليد، على أن تضع خطة متكاملة في هذا الجانب ولا غرو في ذلك حين ترى البعض يجابه كلمة "أسلمة" بكل حدة وكأنها دعوة للكفر البواح في حين يخبت قلبه إذا ما رأى قوافل السالكين تنحو نحو إنسلاخ من كل موروث وتتسابق نحو ما يسمونه إنخراط في الحضارة (طبعا الغربية) ولا يدركون ما وراء ذلك من تيسير للقضاء على حضارات العالم الثالث في ما سمي بصراع الحضارات وكوننا من بلدان العالم الثالث _ أو حتى الثاني كما يقول علي شريعتي _ يجعلنا في الجانب الأضعف والمستهدف. جانب كبير من المثقفين يدرك هذا ويعلمه علم اليقين ولكن يعتبر هذه الخطوة خطوة لازمة حتى تسهل عملية الترويج لإيديولوجيات أخرى، وهذا ما يندرج ضمنه كل عمليات التغريب التي رزخ تحتها مجتمعنا فترة غير وجيزة من الزمن وسلطت عليه جميع الوسائل الممكنة لتغريبه. لا شك أن هذه العمليات تركت أثرا بليغا في مجتمعنا وجرحا نازفا لا نزال نعاني منه ولن يتعافى في وقت وجيز فالتاريخ الحديث في بلداننا يروي لنا أسوء الوقائع وأسوء الأحداث مما جعل من المجتمع الإسلامي مجتمعا لا يتميز على غيره بل فاقدا لخصوصياته جميعها ولا يغرنك من يحسب أن الإسلام مقتصر على الشهادة أو أنه صوم شهر وصلوات خمس فإن هذه النظرة القاصرة للإسلام هي التي أودت بالحضارة الإسلامية إلى جرف هار تساقطت فيه تباعا جميع مقاصد الشريعة الإسلامية وقيمها حتى صنف بعض المستشرقين العقيدة الإسلامية على أنها عقيدة قدرية لا تؤمن بالأخذ بالأسباب، وياليت قومي يعلمون ما علمه جعفر بن أبي طالب وهو يصف دينه للنجاشي رغم أنه في بدايات البعثة فتجده يعدد صفات الجاهلية من عبادة الأصنام وإتيان للفواحش وإساءة للجوار وقهر القوي للضعيف ثم يذكر التحول الذي طرأ على حياتهم بعد ان بعث فيهم رسول يعرفونه ويعرفون امانته وصدقه فعدد عليه خصالا وصفات حميدة دعاهم إليها الإسلام ساهمت في إعادة إحياء فطرة فيهم كانت قد انتكست مما مثل تحول كامل وتغيير شامل، هذا هو الإسلام الذي ينبغي أن يعيشه المسلمون اليوم في عصرنا، فالقارئ لكلام جعفر رضي الله عنه يعلم علم اليقين أن مجتمعنا اليوم هو مجتمع جاهلي _ إن استعملنا كلمة السيد قطب رحمه الله _ لم يترك سوءا إلا ارتكبه ولم يترك قاعدة إسلامية إلا انتهكها فترى الإسلام يأمر بالعفاف والمجتمع اليوم يسير نحو مزيد من الفواحش وتجد الإسلام يأمر بالرحمة ونجد المجتمع اليوم متجها نحو مزيد من شريعة الغاب "البقاء للأقوى" وتجد الإسلام يأمر بعدم الجهر بالمعاصي ومحاصرة الفساد في حين ان دولنا اليوم صارت الراعي الرسمي لانتهاك جميع الحرمات حتى أنك تستغرب وأنت تقرأ حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يدك معاقل حب النفس والشح فيعلن حربا شعواء على من بات شبعان وجاره جائع في حين أن دولا باكملها اليوم تبيت في أمن ودعة ودول الجوار تتضور جوعا وتموت عطشا (!) حتى أنك تشك إن كنت في مجتمع إسلامي لا يزال يؤمن بالبعد الروحاني في دينه أم أنك امام مجتمع مادي لم يسمع بالإسلام ودعوته. ما أسهل أن ندعي التقدم في حين أننا نعود للوراء، كذلك ما أسهل أن ندعي ان مجتمعنا مجتمع إسلامي في حين أنه مجتمع جاهلي.
أفرز هذا الواقع الذي تعاني منه الامة الإسلامية ردات فعل متباينة كثيرا ما كانت تطفو على سطح الواجهة الإعلامية الجانب المتبني للزجر والقوة والتغيير العنيف، فكان ما جنته الحركات الإسلامية من هذه السياسة وبالا ساهم في تأليب المجتمع عليها خاصة أننا في زمن خارت فيه شرعية السلطة كاملة فلا هي مستمدة من الشعب ولا هي حافظة لما ينبغي حفظه بل انقلبت سلطة ضد الأمة وضد الإسلام، غلو السلطة قابله من الطرف المقابل غلو مبني على عاطفة هوجاء تسارع نموها لتنبت ردات فعل مجنونة في مجتمعنا لم تبني بل ساهمت في الهدم ومحال أن يبني العنف والقوة خاصة إذا كان صادرا من جزء من المجتمع على جزء آخر منه وأجزم أن السلطة أيضا غير قادرة على فرض توجهها على مجتمعها خاصة إذا حاولت تجاوز الخطوات والقفز على المراحل وكلما طال وقت برنامجها _ أسلمة المجتمع _ كلما سهلت مهمتها في ذلك. وكما قلت في البداية فإن توجيه العولمة الداخلية في بلداننا هي السبيل الأمثل والذي يبدأ بترويج ثقافتنا وتقاليدنا وما يرمي إليه ديننا من مقاصد وقيم فينا وكل سبيل متيسر لتفعيل هذا فهو مطلوب ولا تحقرن من المعروف شيئا، فالمسلسلات والأفلام التي ننتجها من مالنا ومن جهدنا وتكرس في مجتمعنا القيم الغربية مطلوب أن تعاد "أسلمتها" لتنتج ثقافة تخدمنا فبداية الخلل امتد في عروقنا حتى صرنا نسير في مشروع تغريب أنفسنا دون إرشاد أو توجيه من أطراف أخرى، وهذا أقصى التغريب.
لا شك أن للدولة دورا فاعلا في هذا الأمر ولكن لا ينبغي أن يكون خادم المشروع الوحيد ولا ينبغي أن ينسى الإسلاميون أن السلطة مجرد أداة وليس غاية حتى لا يجارون أحداث السياسة وأحداث ما بعد الثورة العربية ويتناسون مشروعهم الأساسي مما يفقدهم هويتهم ويقوض أركان دعوتهم وذلك ما أهلك مشروع القوميين من قبلهم حين أخذهم بريق الكرسي فأنساهم ما كانوا يهدفون إليه. لا ينبغي أن تكون السلطة اللاعب الوحيد في هذا الجانب لأن السلطة إذا فقدت من يؤمن بمشروعها صارت "متسلطة" ومن هنا ندرك أن لأنصار المشروع الإسلامي دورا هاما أيضا ينبغي أن يؤخذ بالحسبان، لا يتمثل هذا الدور في مسايرة سياسة الحكومة والدفاع عنها و تبرير أخطائها والبحث عن أعذار هنا او هناك بل ما ينبغي أن يجعلوه همهم الاول هو بث أفكارهم والترويج لها من خلال التغلغل في المجتمع المدني بل ينبغي أن نذهب أبعد من ذلك ونقول من واجبهم تجديد فكرهم وصيانته من الإنحرافات. لا ينبغي أن تنسلخ السلطة من مشروعها ولا ينبغي أن يتناسى أبناء هذا المشروع هدفهم الأساسي ولا ينبغي ان ننسى الجانب الدعوي الذي يمثل ركيزة قوية تدعم المشروع الإسلامي وتساهم في أسلمة المجتمع والأهم من ذلك أنها تحد من الجانب الزجري في إنفاذ المشروع ونحن نعلم أن الدولة لا تتلخص في وزارة الداخلية ووزارة الدفاع والعدل بل إنها تشمل جوانب اخرى أعتبرها أكثر اهمية وتساهم بالقدر الأكبر في الحفاظ على ثبات المجتمع ومسايرته للمشروع الإسلامي وهنا يكمن دور الإسلاميين بمختلف فصائلهم. هو دور مهم ويحتاج لنفر من الناس لهم دراية واسعة وفكر مستنير وعلم مقترن بعمل في حين أن كل ما نملكه اليوم عندنا هو مجرد السلطة فقط وذلك ما يرسم مستقبلا قاتما مليئا بنقاط الإستفهام والتعجب، إستفهام حول مستقبل مشروع مرتكز أساسا على سلطة دون ذراع مجتمعي محيط بإيديولوجيته وتعجب من واقع حال الإسلاميين الذين كانوا بالأمس يعيشون تحت معطيات مخالفة تماما، إذا أدركنا هذه الامور يمكننا أن نقول أن بداية أسلمة المجتمع تبدأ أولا بأسلمة الإسلاميين أنفسهم (!) وهنا ينبغي أن تدرك الحركات الإسلامية أنها تخطت مرحلة مهمة من الدعوة الإسلامية _ أتحدث عن تونس على الأقل _ فقد تخطت دار الأرقم لتنتقل مباشرة إلى مرحلة المدينة وبناء دولة، تخطت مرحلة تكوين جيل قادر على حمل مشروع لتدخل التحديات دونه أو بجيل فاقد لخصائص جيل النصر المنشود، إن الواقع يفرض على الحركات الإسلامية في وقتنا الراهن أن تصارع على مختلف الجبهات وهي مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة إن تخطوا مرحلة تأسيس نواة صلبة قادرة على ثقل مشروع كهذا. فبداية أسلمة المجتمع تبدأ من أسلمة دائرة الإسلاميين أنفسهم. وإذا تكاملت السلطة وما يرنوا إليه المجتمع وما يعملون له تحققت الأهداف.