vendredi 13 janvier 2012

ذكريات من وحي الثورة


كان الباب موصدا بإحكام في وجوهنا وما من سبيل لا لفتحه ولا لتحطيم السلاسل والأقفال التي جعلت منه جبلا راسيا أمامنا، ربما هذه الكلمات تلخص ما كان يشعر به الشعب التونسي في مثل هذا اليوم من العام الفارط. 
عدم وضوح الرؤية وقلة الحيلة وانقطاع الأمل وانعدامه لم يكن ذلك من فراغ فعلاوة على ذلك الباب الذي ألجم أعيننا كنا نعلم أن من وراءه عراقيل كثيرة ووراءه مباشرة يقف الجلاد.
لا تحسب أن الجلاد كان يخيف هذا الشعب فقد تمرسنا على الجلد حتى صارت السياط لا تؤثر على جلودنا التي ملأتها القروح والجروح وألقت بآلامها الممتدة على عقود على مستقبلنا الذي لم نكن نرى فيه إلا سوادا تتخلله حمرة، سواد قاتم ورثناه من مخيلة كادت أن تتعود على الظلم والجور ولم تكن ترى في العدل إلا سرابا في صحراء ما ان تقترب منها حتى تعلوك السياط من كل حدب وصوب فيرتد إليك البصر خاسئا وهو حسير وتتلاشى أحلام اليقظة معلنة على تجديد البيعة لزمن الذل والمهانة. كان لون السواد هو الطاغي في لوحة زيتية رسمها جلاد على مرور سنوات، لم تكن أداة الرسم ريشة بل كانت معداته عبارة عن سكاكين وقيود وأغلال وأشياء اخرى لم نعرف اسمها ولكنا نعرف وقعها على ظهورنا، لا تتعجب إذا كان رسامنا لا يعرف الريش وسيزول عجبك إذا علمت أنه يمسح ادوات رسمه بدموع النساء والأطفال والعجزة بل حتى أولئك الذين كان يطلق عليهم صناديد الرجال، لوحة بائسة بأتم معنى الكلمة كادت أنفاسنا أن تحبس ونحن ننظر إليها في اليوم أربعا وعشرين مرة على عدد ساعات يومنا ويكب على وجهه من تجرأ على عدم التسبيح بحمد جلاده بعدد دقائقه.
أولم يأتيك خبر تلك الحمرة التي في لوحة جلادنا ؟ هذه اللوحة التعيسة كانت منفّرة حتى بدأ يغزو هذا السواد لون أحمر تراكم بمرور أيام السجون ومرور أيام القهر والعدوان وكانت تزداد هذه الصورة بطعم الحسرة والندامة على ما فرطنا في جناحي الحرية كلما تراءت لك دموع أم تبكي حظها العاثر في دولة سموها زورا وبهتانا دولة القانون والمؤسسات، ولما اشتدت بقاع الحمرة وطغت أقسم الشعب على ألا يتراجع خطوة للوراء رغم عدم وضوح الرؤية وقسوة الطريق وضيقه وكثرة منعرجاته الملتوية إلا أن هذا كله لم يكن الأسوء بل إن الأسوء من ذلك كان بعض المترددين من بيننا ممن كانوا يرتضون نصف ثورة، ونصف طريق، ونصف مكاسب، ولتكن نصف إصلاح، وأحمد الله بكرة وعشيا أن يوم الرابع عشر من جانفي كان يوما قاسم الضهر لهؤلاء وكان الكثير منا ثائرين بحق، هنا ينبغي أن تكون كلماتي موزونة لأذكر أصحاب "دخلتوا البلاد في حيط" أنهم جعلوا يوم الثالث عشر من جانفي يوما تعيسا بليله ونهاره خاصة بعد خطاب ابن علي وكأنهم كانوا ينتظرون باب قفصهم الذي فتحه ابن علي بخطابه ليخرجوا علينا كالجرذان ويلوثوا آذاننا بتمجيد رئيسهم ووثوقه في وعودهم وينبغي أن يستحوا من أنفسهم إذ باعوا دماء الشهداء بفتح موقعين على الانترنت ووعد بعدم الترشح وأقسم أننا لو اتبعنا سبيلهم لكنا الآن في أسفل السافلين في سجون الطاغية. ليلة لم تكن كالليالي وكدت حينها أن أندب سذاجة الشعب التونسي وقصر نظره حتى أن نيته الصافية خولت له أن يفكر في أن يثق في هتلرنا ولا أظنها نية ولكنني أظنه غباء مفرط وإلى الآن لا ندري ان كان أولئك المذبذبين بين الثورة والمناشدة أقلية أم أكثرية فبعد الثورة تتوالد الحرباء بسرعة في بلادنا ولكن الذي نجزم به أن الكثير من هؤلاء يقولون عنهم "نخبة"، تلك النخبة التي كانت تهلل للنظام ومنهم سياسيون اتقنوا سياسة الاستحمار، فتبا لهم وسحقا لهم. كلما أفترض أن ابن علي جاثم اليوم على صدورنا لم يفتني أن أعلن غبائهم بل إنني احاول قدر الإمكان عدم تذكر تلك اللحظات من العام الفارط بعد خطاب المخلوع فقد كانت شرارات من الغضب العارم تتطاير وأنا أرى أحدهم يبايع جلاده على سنوات أخرى من الجلد ومثلها كانت جميع الصفات التي تليق بأمثال هؤلاء ممن استحقوا لقب خونة باستحقاق، غفروا لجلادنا بدقيقتين خطاب ؟ لعنة الله على الأوباش، تخونني اللغة العربية الآن إذ أنني أردت أن أصف لحظات لا أريد استحظارها أبدا فقد كنت أعتقد أني سأحاول وصف ذلك اليوم في هذا المقال بأكثر دقة لكنني أحسب أن ما أحسه يحسه من عاش تلك اللحظات بقلب ثائر لا بقلب نصف ثائر.


vendredi 6 janvier 2012

حزب التحرير والبداية من النهاية

في البداية ينبغي أن أقول أنني لم أشأ أن أطرح هذا الموضوع لأنني حسبت، وليتني لم أحسب، أن أبناء المشروع الإسلامي يعملون لمشروع واحد نحو تحكيم الشريعة الإسلامية التي بها أعزّنا الله، ولكن تبيّن أنهم يعملون لمشاريع مختلفة وهدفهم قبل كل شيء تشويه أقرب الناس إليهم فكريا، ادرك تمام الإدراك أن هذا من الغباء الشديد أن تشهر سيوفك وتقيم الحروب الطاحنة التي ما لها من آخر على أقرب الناس إليك فكريا خاصة أن الغاية لا وجود لها، تحويل فرد من خدمة المشروع الإسلامي إلى .. خدمة المشروع الإسلامي ! أدرك تماما ان هذه السيئة كانت فينا من القديم ولا تزال إلى أن يشاء الله لها ذلك فالبارحة كان الخوارج يشهرون سيوفهم على الإمام علي رضي الله عنه ويحاربونه رغم أنه أقرب إليهم من معاوية وكانوا في صفه قبل أيام معدودة فانقلبوا عليه وقاتلوا أقرب الناس إليهم فذهبت جهودهم أدراج الرياح وهو الخطأ الذي وقع فيه الشيوعيون أيضا حين انقلبت مذاهبها تتطاحن في ما بينها وهذا حالنا منذ قرون. أؤمن أن أبناء المشروع الإسلامي يعملون لغاية واحدة، نظريا، أما عمليا فهم مختلفون بل متناحرون وسيبقون كذلك بسبب غباء البعض، يعجبني قول الإمام الطاهر بن عاشور في هذه المسألة فهو يلخص القضية بكلمات موجزة : (( لو قصر الخلاف على ما بين العلماء لكان أمر  التفريق يسيرا، ولكن حف به من الحمية والتعصب ما بعث كل طائفة على الانتصار بجماعة من العامة يلقونهم سطحيا مذاهب المخالفين، فتتخيلها العامة إلحادا في الدين، فانشقت الأمة تفاريق العصا )) (1). لذلك لا تتعجب إذا رأيت المغتربين تمكنوا عقودا من الزمن في بلادنا فخلالها كان الإسلاميون إذا ما بدأ أحدهم يضع اللبنات الأولى من مشروعهم قامت طائفة منهم تهدم هذه اللبنات وحسبت بهدمها ذلك أنها نصرت الحق نصرا مؤزرا حتى إذا تمكن غيرهم منهم عادوا يتابكون على ما فرطوا، ألم أقل أن هذا هو الغباء بعينه ؟ عادي، فقد عرف شبابنا بالهدم فقط.

السبب الرئيسي في هذا التشتت أن كل طائفة حسبت أن معها الحق المطلق وأنها تمثل دين الله في الأرض وهي مساوية للإسلام وغيرها مخالف للمنهج القويم وعلى ضلال مبين ونظر إلى المشهد الذي يراه من جانب واحد بينما نظر غيره من جانب آخر مختلف فحسب كل منهما أنهما أدركا الحقيقة في حين أن لكل واحد منهما جزء منها. هذه إشكالية حزب التحرير الرئيسية وماذا تنتظر من حزب يقول واصفا نفسه أنه : (( كان جديرا بأن تحتضنه الأمة، وأن تسير معه بل إنه واجـــب عليها أن تحتضنه وأن تسير معه لأنه الحزب الوحيــــد الهاضم لفكرته، المبصر لطريقه، الفاهم لقضيته، الملتزم بترسم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم دون حيد عنها )) (2) إذا واجب على الأمة أن تسير معه لانه الحزب الوحيد الذي يسير على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وما دونه فهو باطل لذلك لا تتعجب مثلا إذا قالوا أن "الإسلام يرى" أو "رأي الإسلام" في كذا عوض أن ينسبوا الرأي لأنفسهم (3). هذا ما يصنع مجموعة من الأشخاص كالقوالب التي ترى أنها الإسلام، غير مهم، تلك نظرتهم لأنفسهم، أما أن يقولوا أن أمة إذا أجمعت على ما يخالف الإسلام (( فلا يكون لإجماعها أي قيمة لأنه يتناقض مع أحكام الإسلام، فإن أصرت على ذلك تقاتل.)) (4) وحتى تتبين خطر هذه المقولة اضرب لك مثالا، هم يرون أن _ عفوا _ الإسلام يرى أن الديمقراطية باطل وأصر البعض على الرأي المخالف فإنهم، يقاتلون ! لا تحسب أن الإسلاميين الذين قبلوا بالديمقراطية حقهم مكفول في الدولة التي يسعى إليها حزب التحرير إنما ستقوم هذه الدولة على رقابهم وأشلائهم قبل كل شيء، إنها الثيوقراطية تتجلى يا مولاي. وأي ثيوقراطية أكبر من ثيوقراطية تجعل الخليفة (( غير محدد بمدة، بل هو محدد بتطبيق الإسلام )) (5) فلا مانع ان بقي الخليفة مدى الحياة، وهذا الخليفة (( هو الذي يباشر الحكم بنفسه ومن معه يكونون معاونين له يستعين بهم، ولا توجد لهم صلاحيات الوزراء في النظام الديمقراطي الجمهوري.)) (6) وطبعا هذا الخليفة الذي له كل هذه الصلاحيات سيحكم أرض المسلمين من مشرقها لمغربها وله كل هذه الصلاحيات لأن دولة الخلافة لا يجوز أن تكون اتحاد دول ولا يكون للمسلمين خليفتين إنما ينبغي أن يكون خليفة واحد، كما أن له، اطال الله عمره، (( وحده حق تبني الاحكام الشرعية فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين )) (7)، الطريق نحو الديكتاتورية وإعادة أخطاء الماضي مفتوح على مصراعيه أيها الخليفة فتفضل.

الإشكالية أن حزب التحرير يعتقد أن إقامة الخلافة سيجدها محفوفة بالورود وكلها عطر وفي اللحظة التي سيتسلم فيها الحكم في دولة ما ستستسلم له بقية الدول عن بكرة أبيها وتدعوا خليفتنا الموقر ليحكمها على جناح السرعة لذلك يعتقد أن له دولة قوية وعتيدة وعلى كلمة واحدة وألا وجود إلا للتحريريين القابلين بهذه الدولة لذلك فمن أولياته مثلا، (( إذا لم يقم بأداء الصلاة أو الصيام مثلا يعاقب وإذا سكر يعاقب وإذا زنا يعاقب وإذا خرجت المرأة عارية أو متبرجة تعاقب. )) (8) وهكذا يسير حزب التحرير على نفس طريق حركة طالبان ولم يبقى الاختلاف بينهم إلا قانونين اثنين وهما فرض اللحية ومنع المعازف في البلاد، هذه الطوبية التي يتبناها حزب التحرير ستؤدي به إلى نفس المصير الذي حدث لابن علي ولكن هذه المرة في أقل من ثلاثة وعشرون سنة بل في يومين اثنين.

ولم يفت حزب التحرير أيضا أن يعلن الجهاد من اليوم الأول على "الكفار"، فتراه يقول (( يهدف _ الحزب _ إلى هداية البشرية، وإلى قيادة الأمة للصراع مع الكفر وأنظمته وأفكاره، حتى يعم الإسلام الأرض. )) (9) ولذلك فإن (( الجهاد فرض كفاية ابتداء، وفرض عين ان هجم العدو، ومعنى كون الجهاد فرض كفاية ابتداء هو أن نبدأ العدو بالقتال وإن لم يبدأنا. )) (10) فـ((ـالدول وإن وكان بيننا وبينها معاهدات، إلا أنها تعتبر دولا محاربة حكما وذلك لأن كونهم كفارا لم يخضعوا لسلطان الإسلام فإنهم يعتبرون محاربين.)) (11) لذلك فإن مقاطعة جميع الدول الكافرة واجبة علينا (( ولا يجوز لدولة الخلافة أن تعقد اتفقايات عسكرية مع غيرها من الدول كإتفاقيات الدفاع المشترك والأمن المتبادل. وما يلحق لذلك من التسهيلات العسكرية، وأن تأجير القواعد، أو المطارات أو الموانئ، كما لا تجوز الاستعانة بالدول الكافرة ولا بجيوشها. ولا أخذ القروض أو مساعدات من هذه الدول.)) (12) طبعا بما اننا في تقدم علمي كبير والغرب الكافر يحتاجنا كثيرا ولدينا دولة عظيمة _ تونس _ لم تمر بها أي ازمة ويحتاجنا كل العالم فلا خوف علينا ! ولا بأس أيضا أن تكون الدول المحاربة والتي ساهمت في الحروب ضدنا على رأس قائمتنا حتى نقصفها بأسلحتنا المتطورة فـ((تطبق عليها أحكام الحرب الفعلية ما دامت حالة الحرب هذه قائمة بيننا وبينهم)) (13) واذكر مرة أخرى أن هذا القانون سيكون ساري المفعول في أي دولة قامت فيها دولة الخلافة ولو كانت "تجيبوتي" التي تعيش على المساعدات الخارجية.
طبعا هذه النظرة متأتية من التسرع وعدم الإيمان بالتدرج وعدم التحليل الدقيق لوضع المجتمع وفي مواضع أخرى بداية مشروعهم من آخره وعدم الانطلاق من الواقع فالجملة التي يرددها التحريريون "لا تجعل الواقع يغيرك وكن أنت مغير الواقع" جعلهم ينفصلون تماما من الواقع لينطلقوا في تنزيل الاحكام الطوبية على الواقع تنزيلا أعرجا وهم معصوبي العينين .. أن تجعل المشروع الإسلامي قالبا تنزله على واقع، أي واقع، بطريقة واحدة، فهذا عين الخطأ وما هكذا تؤكل الكتف. 
وسأتابع وجهة نظري في مقالات أخرى ان شاء الله.


(1) كتاب أليس الصبح بقريب للشيخ محمد الطاهر بن عاشور ص207
بقية الاقتباسات من كتاب "حزب التحرير" طبعة دار الأمة الصفحات على التوالي : 22/23-63-65-76-77-82-63-24-115-118-124