mardi 14 février 2012

وجدي غنيم، عبد الفتاح مورو والعلمانيين في تونس

ليلة البارحة تركت الفايسبوكيين يخوضون حربا شعواء على عبد الفتاح مورو إثر تصريحه على القناة اللاوطنية بخصوص حضور وجدي غنيم في هذا الفيديو. والاتهامات تعددت وكثرت من اتهامات بالنفاق إلى اتهامات بأنه شيخ العلمانيين إلى الجهل إلى غير ذلك من السب والقدح مما يخيل إلى الشخص الذي لم يستمع إليه أنه قال كفرا بواحا أو أنه سب وجدي غنيم أو أتى إفكا صراحا. لذلك ينبغي أن أذكر ملخص بسيط لأقواله مع تعليق عليها حتى يستوعبها ويقرأها برصانة الذي لم يستمع إليه أولا والذي يحمل في صدره كرها وحقدا على الشيخ عبد الفتاح مورو ثانيا ومن سبه قبل أن يستمع إليه أو يفهم ما قاله ثالثا.
بدأ الفيديو أولا بالترحيب بوجدي غنيم وذكر أن هؤلاء لا يشك أحد لا في علمهم ولا في صدقهم ثم ذكر أن الفتاوى تختلف باختلاف المكان والزمان ولكل بلد واقعه وحلوله وأفاض في هذا واستدل بمذهبي الإمام الشافعي وكل دارس لأصول الفقه أو من يشتم رائحة علم الأصول يعلم هذا في باب العرف فلم يكن حديث الشيخ عبد الفتاح بدعة في ذلك ولا أتى بشيء من عنده، فهل يسبونه لأنه ذكر قاعدة أصولية معروفة ؟ بعد ذلك ذكر أن تونس بلد ذا قيمة علمية لا يستهان بها ويشهد لها التاريخ في ذلك فهي بلد الزيتونة وكبار العلماء، فهل هذه النقطة تستحق السب والشتم ؟
 ثم قال أن من يبشرون برؤيتهم القاصرة على واقعهم وينقلونها إلى واقعنا نقلا هم يساهمون في الفتنة وليس في الإثراء وربط "الفتنة" بفهم الشباب الذي يظنونها الحقيقة المطلقة وتحدث عن نسبية الفهم وكل يؤخذ منه ويرد إلا الرسول عليه الصلاة والسلام ثم قال "مرحبا بيه ونبوسوه بين عينيه" وذكر مثالا عن اختلافهم في مسألة الديمقراطية وشرحها حسب رؤيته والتي خالف فيها الشيخ وجدي غنيم، فقصد الشيخ عبد الفتاح مورو واضح في أن فهم بعض الشباب على أن ما يحمله شيوخ المشرق هو سبب الفتنة وليس مجرد قدومهم، وأذكر مثالا بسيطا على ذلك وهو قدوم بعض شيوخ السعودية المرة الفارطة من أصحاب فتاوى تحريم الخروج على الحاكم والذي يأخذها بعض الشباب على أنها مسلمات ولربما يكفرون بها الشعب التونسي أو على الأقل يفسقونه لأنه ارتكب إثما وخرج على حاكمه وقس على مثل ذلك في عديد الاختلافات الأخرى ولكنني أحسب أن رأي الشيخ عبد الفتاح مورو احتاج لتوضيح أكثر حتى لا يفهم البعض من كلامه على أن مجرد قدوم علماء المشرق "فتنة" خاصة أنه أعاد الترحيب به في الفيديو أكثر من ثلاثة مرات فيكون بذلك تعارض في فهم البعض بين "الفتنة" و"الترحيب" به. قبل أن تحدث هذه الزوبعة على ساحات الوغى الفايسبوكية، كما يحلم بها البعض، علقت على كلمة وجدي غنيم "يختلف العلماء ولكن الأمة لا تختلف ولا تتفرق" فقلت "هذا هو المفروض يا شيخنا لكن ما نراه اليوم هو تختلف العلماء فتختلف الأمة لحد التكفير والتخوين بل وإراقة الدماء." وهذا ما لامسته فعلا بعد سويعات قليلة فنحن أمة فشلت فشلا ذريعا في إدارة مجرد خلاف بسيط فما بالك بالاختلافات الجوهرية.
بعد ذلك تحدث الشيخ عن احتقار الشباب لعلماء الزيتونة وهذا فعلا مكمن الداء للأسف الشديد فكثيرا ما نجد الشباب يقول "وأين هم هؤلاء العلماء ؟"، "بلا بلا بلا بلا" ... وأقول له باللهجة العامية، لانها تعبر هنا بطريقة أفضل بكثير، " قوم مرمزك وما اقل حياك ثما عشرة لاف مدرسة تقري في العلوم الشرعية ياخي علماء التوانسة بش يجوك للدار وانتي مادد ساقيك وحال عينيك في الفايسبوك ونهار كامل تسب فيهم وتقلل في حياك معاهم وتقول هوما ما يحبوش يقرو ويكتمو في العلم ؟ مفرخ فايسبوك تاع وذني تعلمو كان قلة الحياء مارمزكم". للأسف الشديد هذا هو الجيل الذي يتباكى على عهد كبار العلماء لا تجده إلا محترفا سب علمائه وتحقيرهم، لا أتحدث عن الشيخ عبد الفتاح مورو ولكنني أتحدث على علماء تونس بصفة عامة وعلماء الزيتونة بصفة خاصة، تجد عالما تونسيا له من العلم ما له لا يحضر لحلقاته إلا العدد القليل من الشباب تعدهم على أصابع اليد في حين أن "عالما" غير معروف وليس له من العلم شيئا يحضر له الشباب بالعشرات والمئات لا لسبب إلا لأنه ليس تونسيا فهو من أدغال إفريقيا أو من قبائل الواق واق، أعتقد اننا بحاجة إلى ذلك الإشهار الذي فيه شعار "إللي في عينك حلى مش كان من البرا جاء" ليس على البضائع فقط كاللباس الزيتوني وما إلى ذلك بل حتى في الفكر سواء الديني أو الدنيوي، طبعا ينبغي أن أقول أنني أتحدث بصفة عامة هنا ولا أتحدث لا على الشيخ وجدي ولا عبد الفتاح (البعض يحتاجون لحاشية حتى يفهموا ما يقصده المتكلم وأمرنا لله واكهو).
لذلك، وبعيدا على موضوع وجدي غنيم، حذر الشيخ عبد الفتاح الشباب من الإنفصال على المجتمع ودعاهم للحفاظ على المكاسب التي حققوها ثم ذكر أن الإسلام ليس مجرد مظاهر وإنما قبل كل شيء الاستقلال السياسي والاستقلال الإقتصادي وكلنا مسؤولون على تحقيق ذلك.
ثم عاد الشيخ عبد الفتاح لموضوع وجدي غنيم وقال أن "الفتاوى التي ينقل فيها تتعلق بالواقع الذي يعيش فيه وهو غير ملام على ذلك ولكنه ملام على أن ينقلها إلينا لأن في بلدنا واقع آخر والإسلام يعالجها ولدينا الدواء." صحيح أستاذي الفاضل عبد الفتاح لدينا علماء، وصحيح أستاذي الفاضل واقعهم غير واقعنا وأوافقك حول ما تقوله لكن أستاذي الفاضل ينبغي أن تشير إلى موضوع مهم يوقعنا في إشكالية عويصة إن لم تذكرها بل وتشدد عليها، عندما نقول الواقع غير الواقع أستاذي فهذا لا ينبغي أن يكون سدا في التواصل مع العلماء المشارقة وان قلنا ان واقعهم غير واقعنا فكان الاولى والأجدر بنا أن نقطع جميع الصلات مع الغرب فواقعهم أبعد بكثير والصلة مع المشرق يعتبر في هذه المقاربة هو واقعنا تقريبا والاختلافات الفقهية المبنية على العرف ليست بهذا البعد الذي "يمكن أن يفهمه البعض" من علاقة قطعية كادت ان تكون تضارب في اختلاف الفتوى وما هو مقبول هنا ليس مقبولا هناك خاصة اننا من اتباع مذهب الإمام مالك ولا يقول أحد أنه من بلد الزيتونة، الكلام هكذا أستاذي الفاضل يكون مبتورا ومعناه غير تام ان لم تشدد على هذه النقطة وهذا ما يريد ان يجرنا إليه علمانيونا حتى يأخذوا اعترافا بعظمة ألسنتنا أن ما يقوله أولئك الشيوخ لا نأخذ به في حين أن ما يقوله الغربيون نضعه في باب الأخذ بالتقدم والديمقراطية والتطور ودخول العصر وما إلى ذلك من المصطلحات البراقة، هي في الأخير حرب إعلامية وجب ان ننتبه لها ووجب أن نأخذ بزمام الأمور فيها لا أن نقع في الفخ والشراك الذي نصبوه لنا. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن هؤلاء العلمانيون أنفسهم الذين احتجوا على قدوم وجدي غنيم، هم أنفسهم الذي احتجوا على تصريح وزير الثقافة الذي ذكر أنه ضد حضور نانسي عجرم وإليسا في مهرجان قرطاج وهنا تصريحه فسياسة الكيل بالمكيالين هي المعتمدة عندهم وينبغي علينا التنبه إلى ذلك وإغتنام فرصة الحضور الإعلامي لتذكير الناس بهذه المعادلة وليس من المعقول ألا نرى علماء الزيتونة إلا وهم منساقون ضمن الحملة الإعلامية التي يشنها العلمانيون على منابرهم وهم يقدحون في علماء المشرق أو أي إسلامي آخر. حددوا أهدافكم من يستغلونكم يرحمكم الله ولا للكلام المبتور فهو سبب التفرقة والفتنة.
الحملة المسعورة التي يشنها البعض على الشيخ عبد الفتاح مورو لم تكن هي الدافع في كتابتي لهذا المقال أبدا فالكثير لا يعرف الشيخ عبد الفتاح من حيث علمه أو صبره وهو الذي كان في عهد المخلوع يستعمل شاحنة لنقل كتبه التي يقرأها من كثرتها، والذي صبر على الأذى صبرا لا يعلمه إلا الله فلن يضره سب بعضهم على الفايسبوك ولكن الذي دفعني للكتابة هو ما استمعت إليها صباحا في إذاعة جوهرة آف آم من تعليق لفتحية حيزم عضو الهيئة المديرة للنساء الديمقراطيات حيث قالت أن قدوم وجدي غنيم هو طريقة لتهميش الرأي العام لأننا في فترة صياغة الدستور ومطالبنا هي الحرية والديمقراطية وليس إعادة النساء لبيوتهن او ختان النساء، وأعتقد ان الحل الذي تطرحه السيدة هو إغلاق جميع الجمعيات التي تريد استدعاء أي شخص أجنبي بحجة انه إلهاء للرأي العام وهذه هي الحرية التي تدعوا لها وأعتقد أيضا أنها لم تر العدد الكبير من النساء اللاتي حظرن إلى وجدي غنيم في دروسه التي قدمها ولم تسمع جيدا كلام وجدي غنيم حول ختان النساء هنا، فهي من الصم الذي لا يسمعون ومن العمي الذي لا يبصرون وحتى وان سمعت أو أبصرت فهي ممن يحرفون ويكذبون ومن الجيد أنها ممن ينطقون فلتحافظ على هذه النعمة إلى حين. وطبعا أكدت السيدة ان ما يدعو إليه الشيخ هو عادات إفريقية لا تمت بصلة لعاداتنا ووالله ووددت أن قالت هذا الكلام للطالبي الذي لا يرى مانعا في خروج المواطنين دون ملابس كالأفارقة، طبعا لن تقول له هذا الكلام فهم صف واحد ضد الإسلاميين الذي احترفوا الطعن في بعضهم البعض كلما جدت واقعة. ثم علق المذيع بعد ذلك بأن "الأصوات بدأت تعلو وتنادي بهذه النظرة" يقصد نظرة السيدة فتحية التي قالت أن السلفيين هم الجناح العسكري لحركة النهضة وكلما حدثت واقعة مهمة في بلادنا أخرجوا لنا مشاكل جانبية وأخرجوا لنا منقباتهم وأحضروا لنا مشائخهم فزعمت أن هذه الزوبعة هي إلهاء للرأي العام عن مطالبه الأساسية، تجدر الإشارة إلى أن جميع من في البلاتو هم من أصحاب النظرة العدائية للشيخ وجدي غنيم والإسلاميين ككل بمن في ذلك المذيع وأيضا السيد المحترم جوهر بن مبارك الذي قال "آن الاوان لإيقاف هؤلاء" .. باهي اعمل مجهودك.
على الإسلاميين أن يحسنوا إدارة إختلافاتهم بينهم وأن يستمعوا لخطب وجدي غنيم أو غيره من الشيوخ ويطبقوها فلا قيمة لعلم دون عمل به ولا قيمة لدروس وجدي غنيم إذا لم تجسدوها في أعمالكم ولا قيمة لكلامه حول الوحدة وفقه الخلاف إذا لم تكن قيما تتبنوها وكذلك على الشيخ عبد الفتاح وأنصاره أن يعلموا أن السلطة الرابعة تعمل لهدف واحد وهو تفكيك الصف الإسلامي من الداخل وإحداث شرخ عظيم فيه يصعب رتقه فهم يستخدمون حصان طروادة للدخول للصف الإسلامي وزعزعته وستبقى هذه المشاكل متواصلة إلى أجل غير مسمى إذا بقيت السلطة الإعلامية عند خصوم الإسلاميين فقط وإذا بقي بعض العوام يحسبون كل صيحة عليهم ويهرعون إلى إشهار سيوفهم الفايسبوكية في وجه كل من تسول له نفسه مخالفتهم من الإسلاميين. قلت من قبل وأكرر "تجد إسلاميا يحترم فلان اليساري الذي لم يناصر المخلوع ولم ينخرط في مشروعه الإستبدادي، رغم الإختلاف الجذري معه في الأفكار، رغم أن هذا اليساري جعل الإسلام دينا مبتورا، نصّر وهودّ الإسلام حتى جعله دين رهبانية بل دينا أجوف، اختلاف جذري شامل على جميع المستويات ولا يخفى ذلك على أحد ولكن رغم كل هذا فهو يحترمه لأنه صاحب "مبادئ" ولم يناصر المخلوع .. فقط لأنه إلتزم الصمت .. أما ذلك الإسلامي الذي عذّب وقهر وتكلم وجاهد وسجن ونفي وبذل في سبيل مبادئه ما لا يعلمه إلا الله عز وجل فهو لا يحترمه ويرميه بالإنحلال (أو التعصب) لمجرد الاختلاف معه في جزئية بسيطة ان قارناها بالمثال الأول فهي لا تعدوا أن تكون نقطة في بحر. تعسا لمن كان لا يفقه فقه الخلاف مع اخوانه."