mercredi 31 juillet 2013

كيف تصبح يساريا في دقيقتين ؟

كيف تصبح يساريا في دقيقتين ؟

- إذا لم تفز بالانتخابات .. فعليك ضمان النقابات، وبهذه الأخيرة يمكنك تعطيل غريمك السياسي في الحكم من ناحية اقتصادية والاقتصاد شريان الحياة في البلاد.

- روج للتخريب الذي تحدثه بذراعك الإعلامي وحاول تصوير البلاد كأنها في دمار شامل.

- رغم أن الشعب عندك طابور غير مثقف ولا واعي وفي أغلبه إما رجعي يرزخ بأفكار الماضي وإلا سفيه لا يعتد برأيه إلا أنك ينبغي أن تحاول تصوير نفسك المحارب الأول لحقوقهم، حاول ألا تذكرهم بالإنهيار الاقتصادي للاتحاد السوفياتي أو الحصار السياسي والثقافي هناك (*) وحاول كسب تعاطفهم لإسقاط من انتخبوهم في عقولهم أولا ثم ميدانيا وبطبيعة الحال فالخطوتين الأولتين كانت تصب لصالح هذه الخطوة الثالثة، فالأولى كسرت سهم الإقتصاد والثانية اغتالت عقل المواطن وروجت للخطوة الأولى.

Plan b ، إذا لم تنجح المسائل سالفة الذكر فعندك خطوات أخرى لاستكمال المشوار، في هذا المخطط ستبدأ بالتخلي على مبادئك :

- إذا كان الخصم من الإسلاميين فابحث عن جميع خصوهم حسب قاعدة عدو عدوك صديقك وتخلى عن أفكارك في الصراع مع العدو الأزلي الرأسمالي وتحالف معه فالغاية عندك تبرر الوسيلة. (سقوط المبدأ الأول)

- إذا كان هذا التحالف غير ناجح ولم يكفي للإطاحة بالخصم الإسلامي فعليك التحالف مع التجمعيين ودعك من نضالك ضدهم وانسى التاريخ، فالواقع يقتضي نسيان المبادئ. فالمناكب إلى المناكب مع حميدة بن جمعة، الكعب إلى الكعب مع نزار الشعري، وكل رأسمالي متفعن يصبح عندك اليوم الشريف ولد الفاضل (سقوط المبدأ الثاني)

وهنا نعيد الخطوات الأولى بمساعدة فئات أخرى ...

- وإذا واصلت في كسب الأصفار والفشل مرة بعد أخرى فانسى مبدأ الدولة المدنية الذي زعمت أنك آمنت به في أحد الأيام وقمت بمراجعات حوله فالدولة التي تريدها هي دولة بوليسية أو عسكرية لا يهم المهم دولة يمكنها تركيع الشعب، وحتى ان دخلت في متاهة فكرية في عقلك الصغير فعليك دائما أن تتذكر الهدف النبيل الذي تحيا من أجله : إسقاط الإسلاميين ! وهنا عليك محاولة التحالف مع العسكر فتكون ضد الدولة المدنية ومع الدولة العسكرية وضد الديمقراطية وضد الانتخابات وتحكيم الشعب وضد أي ترهة من هذه الترهات (سقوط مجموعة من المبادئ التي لا تحصى) وإذا لم يكن في بلادك عسكر فحاول مع البوليس وأدخل البلبلة فيهم بالنقابات الأمنية في صفوفهم حتى ان دعوت لاضرابهم والبلاد في أشد الحاجة إليهم !

- إذا لم تنجح فيبقى الحل الأخير : التحالف مع القوى الخارجية والمنظمات الدولية .. قتل اغتيال تعطيل اقتصاد تأليب الرأي العام الدولي تصرف يا ولدي المهم تطيحهم الاسلاميين من لخر راك ماعادش تنجم تصبر :)

- ملاحظات هامة :

- اخرج من المنازه والمنار والنصر والأحياء الراقية ودافع ع الكادحين أولاد الملاسين والتضامن والأرياف وجميع الاحياء الشعبية

- رد بالك تنشئ جمعية خيرية، الجمعيات الخيرية ما تصبش في صالحك وفي لخر هاك عطيت لفقير وعاونته شنوة ربحت ؟ (الموضوع قايميين بيه الإسلاميين، الخوانجية والسلفيين وأولاد الشعب والزوالي اللي تلقاه يعيش ع خاطر خوه ويخدم عليه في الجمعيات الخيرية وحاسس بيه، واليساري يبقى ع قاعدته القديمة الجديدة : دع الدولة حتى تتعفن، وبعقليته هذه ماذابيه الأوضاع تزيد تتأزم بش في لخر يربح معاناتهم سياسيا، وانت تحكيلي ع المبادئ تاع اليسار ! مساعدتهم لا تصب في صالحه سياسيا إذا إلى الجحيم قالو زوالي وفقير وجمعية خيرية)

- الجمعيات الصحيحة اللي تخدم علاها (النقابات هاذيك الحاجة الأولى في الخطة بطبيعة الحال) هي الجمعيات تاع حقوق الإنسان وحقوق المرأة والجمعيات اللي توصل بها صوتك للوزراء وللبلدان الأخرى وجميع الجمعيات اللي مهمتها إكمال مهمة النقابات وتأجيج الوضع والخروج في مظاهرات بخلاف هذا من الجمعيات عندك ريق فارغ وتضييع وقت .. قاعدتك اللي تمشي علاها المظاهرات وقلب النظام قالو زوالي ومعاونته.

- وبطبيعة الحال ما تنساش تستغل عيد الشجرة وعيد الحب وعيد الإجاص والتفاح وحتى عيد البصل كان لزم بش تحاول جاهدا اسقاط الحكومة ..

خمم هكة، وتولي يساري عال العال

- إذا فزت بالانتخابات ؟ امورك في العنبر .. اقذف بالجميع إلى السجون في إطار تطهير البلاد من الرأسماليين والمتآمرين ضد الشعب وتوفير العيش الكريم ليه وبما انك لا تؤمن بالدولة وانها كيان بيروقراطي معطل فالمهمة ساهلة بالنسبة ليك (طبعا هوما "صوت الشعب")

(*) كتب ميشيل هيلر أحد ضحايا الشيوعية ممن أقصوا إلى سيبيريا للأشغال الشاقة بسبب معارضته السياسية ثم فر إلى أوروبا كتابا أسمه السكريتير السابع غورباتشيوف من العظمة إلى البؤس، حول سقوط الإمبراطورية الشيوعية، تحدث فيه عن أوضاع الامبراطورية وتحولاتها من بدايتها إلى نهايتها والكتاب يقع في 450 صفحة .. تحدث الكاتب عن الأوضاع السياسية وطريقة التنكيل بالمعارضين السياسيين (الشيوعيين !!!) والأوضاع الاقتصادية المنهارة، وأوضاع المثقفين والمنع للإذاعات والتلفزات وسياسة البريسترويكا وما قبلها وأوضاع الشعب وحتى تندره على (دولة الشعب) ! فللرفاق (الجدد في الدومان) أن يتعرفوا على ما كارثتهم، وعلى الشعب أن يعرف مشروعهم الذي يبشرون به !



vendredi 14 juin 2013

طفولة متأخرة للسلفين

ياالله مللت من كذب الكثير من السلفيين وكلامي هذا لن يكون فيه تعميم على الكل إنما البعض منهم ... 


لا يعرفون الإجراءات التي يتم اتخاذها في المطارات والمسائل والاجراءات القانونية ولا زالوا يعتقدون أن مجرد حزب ينبغي ان يسيطر على جميع الإجراءات ولا زالوا يعيشون في ذلك العهد النوفمبري حيث مجرد اتصال فيه أهم من الإجراءات القانونية ولا زال الكثيرون لا يفهمون ما معنى دولة القانون ويعتبرون القانون هو قانون وضعي كفري، لا يهم ان كان قانون لتنظيم حياة المواطن أو قانون طرقات أو غير ذلك من القوانين لأنها باختصار قوانين وضعية كفرية يجوز اختراقها في كل وقت وحين.

يعتقدون أن حركة النهضة هي الحزب الذي يقول للشيء كن فيكون كما أراد وعقلية المؤامرة بطبيعة الحال هي المسيطرة عليهم فظنوا ظن السوء واعتقدوا أن المطارات والدولة على ذمة حزب الحاكم واستنتجوا بغبائهم المعهود _ طبعا انا أتحدث عن البعض منهم ويرجى من أذكيائهم أن يصرخوا في وجه أغبيائهم _ أنها مؤامرة عليهم لصد صوت الحق المطلق وإخراس صوت الباطل المطبق.

قال رسول الله أن أكثر أهل النار النساء يكفرن العشير وان أحسنت لإحداهن الدهر كله قالت ما رأيت منك خيرا قط ولعمري هذه الصفات ذاتها أراها في السلفيين فزعموا أن شيوخهم ممنوعة من دخول تونس وبالأمس القريب كان بينهم وجدي غنيم بل وأكثر، الطرطوسي الذي كفّر القرضاوي في كتابه حل بينهم في بنزرت، وفي كل مسجد تأتيه تجد إعلانات الدروس والمحاضرات والشيوخ القادمين من كل حدب وصوب وفي آخر الأمر يزعمون أن حركة النهضة تتبعهم وتمنع شيوخهم ولم يتسع عقلهم قليلا ليفترض فرضيات أخرى غير هذه الفرضية المخالفة للواقع وللعقل.

 وقد فعلها التحريريون من قبلهم حينما نظموا مؤتمرا عالميا هنا في تونس وحينما وقعت مشكلة لإحدى المشاركات السودانيات ولم تتمكن من الحضور سواء كان ذلك بسبب مشكلة قانونية أو ما شابه (لا أعرف) أقاموا الدنيا ولم يقعدوها زاعمين أن الحكومة الحالية هي سبب ذلك وهي التي تتحمل المسؤولية الكاملة في عدم قدومها وهي المتواطئة في هذه العملية رغم أن عشرات النساء الاخريات قدمن إلى تونس دون أي صعوبات تذكر إلا أنهم أرادوا أن يجعلوها تواطئا ضدهم واستهدافا لهم من قبل الحكومة الحالية حتى يبنوا منها رأيا عاما أنهم مستهدفون كالعادة ولكنها نظرية المؤامرة المتحكمة فيهم على بكرة أبيهم.  

خوائهم القانوني سيبقى معرقلا أساسيا لهم فلو حصل هذا الأمر مع أحد العلمانيين لما تسرع بالحكم على الحكومة ولكنه يحاول معالجة الأمر قانونيا وان كان له الحق مُكّن من حقه وأخذه ودخل البلاد دون أي إشكاليات تذكر، في المقابل إذا ما حدث هذا الأمر لأحد هؤلاء الإسلاميين ماذا يكون أول فعله ؟ يتوجه لأقرب مسجد ليلقي بيانا مدويا يتهم فيه الحكومة أنها تستعمل البوليس السياسي ضده وأن الحكومة هي المسؤولة على المشكلة الحاصلة ويذكر بكفره الشديد بالقوانين الوضعية.

يا اخوة الإسلام .. مللنا طفوليتكم الزائدة .. .






samedi 11 mai 2013

خواطر بخصوص مسألة الخيمات الدعوية

بخصوص مسألة الخيمات الدعوية والفيلم الفايسبوكي المقام حولها

ملخص القضية، بعض الخيمات الدعوية تم منعها والظاهر أنها لأسباب مختلفة، والمؤكد أن أغلبها أسباب تنظيمية كمسألة الرخصة أو إعلام الجهات المعنية، وبعضها لعله بسبب تعنت هذه الجهات ونيتها المضمرة في عدم تيسير الامور وتعسيرها سواء بالتعلل بعدم إعطاء الترخيص أو "رميان الكورة" وإيعازها لمن هم أعلى منه بالجملة الشهيرة "أوامر من الفوق" أو قوانين .. تلك الخيمات الدعوية التي منعت صورت وتداولت على الفايسبوك أنها منع من "الطواغيت" للـ"دعوة" ومحاربة لله وما إلى ذلك من المصطلحات التي تزرع في النفوس فكرة المجتمع المسلم الطاهر الذي يريد نشر الدعوة مقابل قبيلة "قريش" بكل طواغيتها التي تحاصر الدعوة إلى الله وتنكل بالمؤمنين .. طبعا هذا هو المشهد الذي ينطبع في أذهان البعض عند مثل هذه الصدامات التي تصبغ بكلمات مفتاحية تحيل العقل على مشاهد الغزوات والحروب ضد الكفار أو في أقل المستويات تحيلنا لعهد قريب مع القمع وهي مسألة نفسية بحتة لا تلبث أن تردف بمجموعة من الابتهالات والدعوات على الطواغيت بمختلف أصنافهم بدء بالسلطات المعنية وصولا لأعوان الأمن إلى وزارة الداخلية فما يليها من جيش وطني ووزارات أخرى لتشمل دعوات التكفير التي صارت "موضة" تظهر وتختفي مع الأحداث ومدى التأثر النفسي للشخص لتشمل بعض الأحزاب والشخصيات والجماعات والزمر .. ثم يجب بعد هذا استغلال تلك العاطفة الجياشة التي ارتمت في أحضان الأوهام وذلك العقل المغتال الذي اغتيل متأثرا بكثرة أتباع العاطفة وقلة سالكي طريق التحليل والتمحيص حتى نعلن على الناس أنه استهداف منهج، وقطع لطريق الحق، وتكالب بين جميع الأحزاب والجماعات على أهل العقيدة، وهو حرب بين إيمان وكفر، بل هي حملة مسلطة علينا، فتكاد لوهلة أن تصدق لولا أننا عرفنا الحملات الأمنية ومعناها والتضييقات وكيفياتها والحصار ومآلاته، ثم لا تلبث أن تقرأ في بعض التعليقات أنها حملة أمريكية فرنسية وما إلى ذلك من التحليلات التي لا تتطرق أصل الموضوع ولا تنظر إلى ما بين أيدينا من سلطات إشراف وعملية قانونية ينبغي أن يسار عليها بل لا تبني إلا على الأصول الفاسدة لإصدار تحليلات أفسد ... هذا ما أسميه بفقه النكد (والفقه في اللغة يعني الفهم، هذه جملة استثنائية مفسرة تحسبا لأي ربط بين الفقه والنكد، اللهم سلم.)

 المتتبع للمسألة يجد أن أغلب الخيمات الدعوية قد أقيمت ولم يكن هناك أدنى إشكالية في غالبيتها العظمى حتى رأينا أنصار الشريعة يتباهون بقافلة وخيمة دعوية يوميا، والظاهر أن هذه الخيمات استوفت شروطها القانونية من رخصة (أو إعلام) وما يستتبعها من شروط يتوافق عليها إثر الاتفاق. لكن، وكما قلت، حصلت الإشكالية مع بعض الخيمات الدعوية وأزعم أن أغلبها بسبب عدم استكمال الشروط القانونية ولا أستبعد أن يكون بعضها بسبب معاداة الأطراف المعنية بالتواصل في الموضوع لمثل هذه الخيمات الدعوية. الإشكالية ليست في هذا بقدر ما يعتبر غلبة للعاطفية بأثر تلك "الكلمات المفتاحية" (الله أكبر، يحاربون الله، بعض الآيات، طغاة، كفر، لعنهم الله، دعاء، ... إلخ) على المنزع العقلي فلا يخطر ببال أحدهم حتى مجرد السؤال كأن يقال ما بال ذلك العدد الكبير من الخيمات الذي لم يمنع ؟ فلعل الإشكالية متعلقة بخيمات دون أخرى ؟ فيتخلص بهذا من المنزع الشمولي ومنهج (الأبيض / الأسود) المتبع ويخصص وينسّب الأمور، أو كأن يتسائل بعد أن ساير التيار في تحليلاته أن المنع بات قريبا وبعد فترة لا بأس بها فيتسائل وهو يرى الخيمات يقيمها ويقف فيها أإذا كان قد أخطأ في السابق والتسرع في احكامه ! لكن شيئا من هذا لم ولن يكن. فهي دعوة للتأمل في حال هؤلاء ! شيء لا يكاد يصدقه العقل، إذ أني أكتب هذه الكلمات ويتمثل أمامي هذا التضارب في عديد من الأشخاص في عدد لا يحصى من المواقف ...  

إن العيش في دولة يقتضي نظام، والنظام ينبغي أن يكون بمثابة العرف الذي يعيش به المجتمع، وهذا العرف لا ينبغي أن يكون هلاميا بل ينبغي أن يكون مكتوبا موثقا مسطرا بوضوح وتفصيل حتى يرجع إليه عند الاختلاف، وهذا ما يسمى القانون ! لدى بعض الإسلاميين سوء فهم عجيب للأمور فتراه إن قيل له أن فلانا الذي سيقيم بعض شأنه لم يسمح له ولم يرخص له لا يستكثر ذلك وتمر المسألة طبيعية، إذ أنه القانون يفرض نفسه، بينما إن قيل له فلانا لم يسمح له بإقامة خيمة دعوية تجده يربط ذلك بمعاداة الشريعة والإسلام والقرآن والرحمان وسرعان ما يبوء المانع بالكفران والويل والثبور وعظائم الأمور، في حين أنها أمور إجرائية ينبغي أن تراعى فتكون في الوقت المناسب وفي المكان المناسب والمنع لا يعني الكفر كما أن الترخيص في ذلك لا يعني الإيمان فالأمر يبقى في حيز القانون.

إن مشكلة السلفية الجهادية تكمن في فقدان الوعي التنظيمي لدى أفرادها وغياب التنظيم وإن كان قد بدأ على استحياء في أنصار الشريعة ولكنه لا يشمل إلى حد اللحظة الجزء الأهم من التيار فلا يزال التيار الفكري يطغى على الاسم التنظيمي، مما يدفع إلى تغليب الظن أن اتخاذ البرامج عند بعضهم تكون بطريقة اعتباطية ومستعجلة لا تراعي سلطات الإشراف ولا القوانين للسبب الذي ذكرته من عدم التنظم أولا ولعدم التعود ثانيا بل وربما لعدم الاعتراف بما يعتبر قانونا أو ترخيصا (هذا موجود، الغريب أنه يتبع القانون في حياته كلها إلا عند بعض المسائل مثل الخيمات الدعوية فتتحول الأمور من الجواز إلى الكفر بسبب أنه قانون وضعي).

فمن المهم ألا نحول المسألة إلى قضية صراع بين كفر وإيمان، ولا بين دولة وتيار معين، من المهم أن نوجه أعيننا لسبب المشكلة الحقيقي لا تزييفه عن حسن نية أو عن سوء نية، من المهم أيضا أن نتذكر أن من نعتبرهم "خصوما سياسيين" هم في الحقيقة يفوتوننا أشواطا في الوعي بهذه المسائل البسيطة والتي تحول وجهة نظرنا إلى مسائل زائفة وتسيل حبرا يذهب أدراج الرياح والأخطر أنه يشنج عواطفا ستهدأ بعد فترة أو عند معاينة الأمر وحل الأمور بعقلانية. كذلك من المهم أن نتذكر أن المنع في حالة لا يعني الاستهداف وإلا فقد منعت أحزاب من تنظيم أنشطة وكذا جمعيات ونقابات وغير ذلك وشخصيا لست جاهلا لتغيب علي مثل هذه الأمور فقد مرّ عليّ مثل هذا الامر سابقا (أقصد خيمة في مكان عام، وحصلت معي نفس الإشكالية)؛ والأهم من كل هذا لا نصعد أمر هينا ليكون مواجهة مع المؤسسة الأمنية (يعني، أعوان الطاغوت عندهم)، وأحسب أهواء قد استفحل بها الداء لتجعل من المواجهة مع (أعوان الطاغوت) نوعا من المراء، وتصعيد المواقف نوعا من (التعصب) المحمود وكل هذا يروج بتلك الكلمات المفتاحية التي تحدثت عنها سابقا ليكون الصراع مع الأمن "مقاومة جند الطاغوت" وعدم الانصياع لقوانين لا يختلف عليها اثنان (انصياعا للحق) وكل هذا أيضا يروج حسب القياس الفاسد. ولا أنكر أن غباء هذه الحكومة هي الأخرى كما سابقتها زاد الطين بلة من وجوه، فالهرع إلى الخيمات الدعوية بأفواج من سيارات الأمن هو عين ما يطمح إليه بعض السلفيون من خلال المواجهة مع الداخلية خاصة إذا ما تظافر الاستفزاز من الجانبين واشتد في بعض الحالات إلى عنف، ثم السكوت على هذا الموضوع وعدم توضيح موقف الحكومة يزيد استعار طرف لا يفهم القانون ولا يعمل به ولا يعترف به وهذا ظاهر من خلال تقرير إقامة الخيمات الدعوية في جميع الأنحاء في غضون أسبوع واحد ودون إشارة إلى اتخاذ أي خطوة لازمة لذلك، فلا الحكومة نبهت ووجهت وهذا من واجبها، ولا الطرف المقابل كان اوعى، فتظافرت الأسباب لاستعار الأجواء، فضلا أن يطل علينا السيد سمير ديلو إطلالته البهية بعد طول غياب فيصرح قائلا تونس ليست أرض دعوة بل أرض مواطنة في جملة ضبابية تعطي حجة إضافية لتأجيج الموقف، ثم يختفي بعد ذلك ولا يعطي تصريحا واحدا ولا توضيحا واحدا حتى على الفايسبوك أو التويتر حول كلمته ويترك الحبل على الغارب، فإن كانت هذه لا تعتبر صبيانية من الحكومة وتهاونا فات الحد مع طرف سلفي ينبغي أن يقطع بتاتا التعرض إليه في مثل هذه الأمور لعدة أسباب خاصة خلال هذه الفترة، إن لم نعتبر هذا تهاونا وتسيبا فما هو التسيب إذا ! وصدق المثل التونسي (شوية من الحنة وشوية من رطابة اليدين)

ثم أريد أن أذكر أربع مسائل، أولا، أدعو من يشكك في ما ذكرت ويصدرها على أنها استهداف وأنها منع وعدوان وأنها قرار صهيوأمريكي ومؤامرة سوفياتية ماكرة وما إلى ذلك من الخيالات أن يتصل بي على الخاص وسأتابع معه المسألة للحصول على ترخيص من السلطات المعنية ليقيم خيمته الدعوية في تونس العاصمة في مكان مناسب دون كثرة كلام في الموضوع ولا كثرة تحليلات فايسبوكية، فلعل خيمة دعوية في قلب العاصمة يحجب بعض الأوهام. ثانيا، العقلية الشمولية قد تحجب علينا من الخير الشيء الكثير، وتصور أن كل الأطياف المخالفة هي أطياف محاربة هو وهم يدفع إلى خسران الجميع بعداءهم في حين أن الأطراف متعددة وينبغي فهم خلفياتهم وكل ما زدنا في كثرة التصنيفات والفصل كل ما ازددنا دقة. ثالثا، كسب الناس يكون بالتنظيم والإلتزام والانضباط أكثر منه نجاعة من كسب الناس مبدين لهم أننا مظلومين ومقموعين ومجتهدين لتحصيل نصيبا من الظلم، فالواجب ألا نقع في ما نكره لا أن نجتهد لأن نقع فيه. أخيرا، الحريات كثيرا ما تقيدها سذاجة الأغبياء، والخير يدفعه غباء قلة على كثرة.

لأختم بما ذكرته سابقا وعممته : ((اللعبة التي يتقنها كل من وقف حماره عند العقبة لعب دور الضحية، إنها أيسر وسيلة للتمعش من عقول الناس.

ربما يفعلها من حسب انه ظلم وكان ذلك عن حسن نية فروج لخلاف الواقع ولم يدرك زلته، فهذا معذور يكشف عنه غطاء جهله. ويذكر "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"

لكن الاسوء أن يتمرس على ذلك من أخطأ وروج لخطئه على انه ظلم، والأدهى من ذلك أن يصدقه الناس. فيذكرون :"وجاءوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" ويذكر "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"

فتبينوا وتثبتوا أن تصيبوا قوما بجهالة ولو كنا لا نشك في إيمان الراوي وورعه فالعبرة بصدق الأخبار وحقيقتها لا بإيمان ناشرها وتقواه))





dimanche 3 mars 2013

الإصلاح وإرساؤه في المجتمع


الإصلاح قضية عميقة بدأ الجدل يحتدم حولها منذ استفاقة المسلمين على مدافع الغرب تدك حصونهم إثر سبات قد طال، وإرساء هذه العقلية في المجتمع قضية ثانية لا تقل أهمية عن سابقتها ذلك أن الإصلاح وفكرته التي تحصنه إذا لم يكن لها امتداد في المجتمع فإن الفكرة تكون منبتة لا فائدة ترتجى منها.

من تاريخ الإصلاح في تونس

شهدت تونس في القرن التاسع عشر محاولات عديدة للإصلاح إثر تردي الوضع المعيش وتردي الأحوال السياسية والإقتصادية والاجتماعية في البلاد، في حين كانت الضفة المقابلة من البحر الأبيض المتوسط تسارع الخطى في الاكتشاف والتقدم العلمي وتطور الفكر والمعارف عندهم. فكانت محاولات الإصلاح في كل من مصر وتونس متقدمة إذا ما قارناها باليابان، في تلك الفترة، والتي استلهمت من التجربة الإصلاحية التي قادها كل من رفاعة رافع الطهطاوي في مصر وخير الدين التونسي في تونس. وكانت رحلتي هاذين الأخيرين للغرب حينها وكتبهم عن ذلك كفيلة بكشف الهوة الساحقة التي تفصلنا عنهما فتبلور على امتداد تلك الفترة من الزمن في القرن التاسع عشر وكذلك القرن الذي يليه سؤال محوري "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم ؟" (عنوان كتاب لأمير البيان شكيب أرسلان) وحاول المفكرون الإجابة على هذا السؤال فتعددت الأفكار وتعددت المشارب بين من يرى أن التخلي عن تراثنا (الدين، الثقافة، التقاليد ...) هو الكفيل بالتقدم والتطور واتباع الغرب شرط كاف لتحقيق التقدم وبين من يعتقد أن الرجوع لهذا التراث هو الحل الذي يكفل لنا الإصلاح ويوثقه والأخذ بأسباب التطور لا يتعارض مع تراثنا، وتبلور حينها الاتجاهان، اتجاه التغريب من جانب، واتجاه الهوية في الجانب المقابل.

ولعل ما يقوله الحبيب ثامر رحمه الله تعالى في إحدى خطبه يجلي ما كان يشعر به المثقفون من ضرورة الإصلاح في مسار الأمة، إذ يقول أنهم (( رأوا جهلا مظلما سمه القاتل في سائر طبقات الشعب. رأوا فقرا مدقعا مخيما على كامل البلاد. رأوا عوائد وأخلاقا إسلامية ذاهبة إلى الاضمحلال والتلاشي. رأوا دينا حنيفا تهتك حرمته ولا يراعى جانبه. رأوا لغة آبائهم وأجدادهم دخلت في طيات النسيان.)) لذلك ((بادروا إلى جمع جهودهم وتنظيم صفوفهم للدفاع والمقاومة وسيكون النصر حليفهم فتبلغ آمالهم طال الزمن أو قصر)). (كتاب الحبيب ثامر هذه تونس)
فكانت من ثمرات مجهوداتهم إثر تحديد ما يشغل بالهم من بلاء أحاط بالأمة أن قاموا بانشاء المدرسة الصادقية وتطورت المدرسة الزيتونية وأصدرت الصحف العديدة باللغتين العربية والفرنسية واكتسب طلاب المدرسة الزيتونية وعيا نقابيا ووعيا فكريا أنتج من بينهم ثلة من المثقفين وثلة من القضاة والمصلحين الذين ساهموا في إنشاء وعي مجتمعي في تلك الفترة كانت ثمرته امتداد شعبي للحزب الدستوري الحر (القديم والجديد) وحراك نقابي وحركة فكرية كللت سنة 1956 بالاستقلال. فيمكننا أن نقسم الاستقلال في تونس على ثلاثة مراحل بدأت بالعمل المسلح في بدايات الاستقلال الذي سرعان ما تهاوى أمام المستعمر الفرنسي ويليه حركة الاستقلال اللين من خلال العمل الثقافي والوعي بقضايا البلاد والعمل السياسي والتعريف بالقضية التونسية في الخارج وتظافر جميع جهود هذه الأعمال لتصب في آخر المطاف في المرحلة الثالثة التي كللت بثورة على المستعمر الفرنسي بجميع الوسائل والأساليب اللينة منها وكذا المصادمة المسلحة المباشرة أو المصادمة من خلال المظاهرات والانتفاضات لتكسب تونس استقلالا مستحقا عملت عليه أجيال لتحقيقه.

يعلمنا الإمام العلامة ابن خلدون رحمه الله أن التاريخ لا يزيد في ظاهره عن الإخبار إنما في باطنه نظر وتحقيق. والمتمعن في ما سقته من تاريخ البلاد يلاحظ من خلال تقسيم الفترات أن الإصلاح كان على ثلاثة مستويات : إصلاح الفكر وتقويم الرأي، الانتشار والامتداد الشعبي، التفعيل والتطبيق.

الإصلاح والفكر

أساس الإصلاح الأهم هو الفكر، فالفكر ملازم لتحديد المسار ووضوح الخيار ورسم هدف يرجى بلوغه وتحقيقه.
إن إصلاح المجتمع يقتضي فكرا نابعا من ثقافة المجتمع وتراثه أولا وهو ما فرضه تيار الهوية على الساحة كواقع لا يمكن التشكيك فيه منذ سنوات عديدة فلم نعد نسمع هرطقات كانت تتداول بين التيار التغريبي من نقد مباشر للإسلام واعتداء صارخ على الهوية والمرجعية الوجدانية التي تعد صرحا بالنسبة للشعب لا يمكن التشكيك فيها أو تذليلها لتجاوزها (انظر كتاب من تجربة الحركة الإسلامية في تونس، كذلك كتاب شاهد على تجربة الحركة الإسلامية في مصر ففي كليهما توثيق وانتقاد لهذه الاعتداءات التي كانت ظاهرة حينها عند ضمور الامتداد الإسلامي سواء في تونس أو في مصر أو في سائر الأقطار العربية الأخرى كذلك).

ومن خلال كلمة الحبيب ثامر سابقة الذكر نتبين منها أهمية الإرتكاز في الإصلاح على الدين واللغة، فإن فاقد لغته يظل أعرجا في طريق الإصلاح قد انسلخ من جلده ولم يسعفه جلد آخر ليتدارك أمره، أما بالنسبة للإسلام فهذا الدين يحتوي من الخصائص ما يساعد على الإرتقاء الحضاري لو تم فهم هاته الخصائص وحسن استغلالها.

يعدد سيد قطب خصائص الإسلام في كتابه خصائص التصور الإسلامي فيجعلها سبعة خصائص. فالإسلام دين رباني من المولى عز وجل يمتلؤ فيه قلب المرئ بالإيمان بالله تعالى الذي يجعله محاسبا لنفسه قبل أن يحاسب فلا مكان فيه للمادية الدافعة لتكريس هدم المبادئ على حساب الشهوات، إنما توزن الأفعال في ميزان المبادئ التي قررها الإسلام. وهو دين ثابت، فلا مجال فيه لتحريف البشر ولا إلى زيادة أو نقصان في مبادئه وهكذا تكون المبادئ ثابتة لا تتخلخل بكذب المبطلين ولا بغلو الغالين ولا بتدليس المفترين، وشرعته ينهل منها العالم الدارس للعلوم والمعارف ويحيط بها الرجل البسيط والمتمعن المتدبر في كتاب الله وسنة رسوله وهذا من معاني حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "تركتكم على المحجة البيضاء" وهو خطاب إلى عموم الأمة لا إلى خواصها. ومن خصائصه أيضا، باختصار، الشمول، فهو دين شامل لم يكن دين عابد في مسجد فقط ولا عامل في معمل فقط ولا لطالب في جامعة فقط ولا إلى حرفي في دكانه فقط ولا إلى مجاهد في ميدان جهاده فقط ولكنه دين هؤلاء جميعا يشملهم ويشمل أعمالهم، فإننا نتعبد الله في المسجد كما نتعبده في ميادين الجهاد الاخرى. كما أنه دين متوازن وازن بين الحياة الدنيا والآخرة، وبين اللين والشدة، وبين العبادة والراحة. وهو دين الإيجابية الذي يأبى السلبية والانحلال في الواقع والرضى به. وهو دين واقعي لا ينطلق من معطيات وهمية ولا يبغي الوصول لهدف هلامي إنما ينطلق من المعطيات المتوفرة للوصول إلى أفضل المستطاع المأمول. وهو بعد وقبل كل هذا دين التوحيد، الذي وحد خالق الكون، فوحد بذلك الهدف والغاية إليه وجعل النية واحدة خالصة له فلا تحيد الأعمال عن غاية واحدة ولا يرجى من دون المولى إله، ولا ينتظر من غيره جزاء ولا شكورا، ولا يراد دون المولى كائن من كان.
فحري بهذا الدين أن يكون دافعا ومحركا لشعب مسلم يريد بلوغ التحضر، وكما قلت لو يفهم الإسلام بعيدا عن مغالاة الغالين، وبعيدا عما يدعيه المحرفين.

الفكر الإصلاحي والمجتمع

إن ما سقته ليس للقراءة ومن ثم مرور الكرام، بل إن الواجب من تعلم هاته الأفكار والمبادئ أن تبنى عليها الأعمال، وقبل هذا أن تنشر وتذاع بين الناس. وكما يقول مالك بن نبي أن ما ينقص المسلمين ليس الأفكار، بل الأفكار متوفرة موجودة إنما تنقصهم ثقافة الحركة لتفعيل هاته الأفكار.
إني أكتب هذه الكلمة وأنا أستحضر من ناحية ما تحدثنا عنه في الفقرات السابقة عن تاريخ تونس وجهاد قارع عنان السماء ليظفر المجاهدون بثمرة أعمالهم بتحرير البلاد فكريا واقتصاديا وسياسيا، إني أكتب وأضع في كفتي اليمنى هذا التاريخ ومعه تلك المحاولات الإصلاحية التي سقاها المفكرون بعصارة أفهامهم واجتهاداتهم، ثم أضع في كفتي اليسرى من الناحية الأخرى واقعنا المرير ونحن نترنح في جامعاتنا على رقصات الهارلم شايك ! في تلك الجامعات التي كانت في السابق ساحة للنضال ضد المستعمر ورفض سياساته وساحة للاضرابات منذ بدايات القرن الماضي للحصول على الحقوق وتحقيق المطالب، وكانت ساحة للحوارات الفكرية في السبعينات والثمانينات تعج بالحركة وبصناعة جيل واع عارف، وكانت خلال الثورة ساحة للنضال ضد ابن علي وانطلاق المسيرات ضده لتحرير البلاد من قبضته الديكتاتورية. ها قد تحولت هذه الساحات اليوم إلى ساحات للرقص، عوض ان تكون تلك الجامعات مصدرا لإنطلاق مبادرات التغيير والإصلاح وتكون مصدر إلهام حقيقي في الإصلاح وردم الهوة بيننا وبين الغرب. إن الجامعات والمعاهد مرآة المستقبل طالما أنها الساحات التي تروي نخبة المستقبل بماء معرفتها لتخرج لنا جيلا يرتقي بواقعنا، والظاهر الجلي لنا أن مستقبلنا لن يخرج عن الرقص على جراح الأمة ومصائبها بترنح نخبة المستقبل في ساحات العلم والمعرفة.

إن المطلوب تحديد الهدف والغاية من خلال الإحاطة بمرجعيتنا الفكرية، ثم العمل على نشر هذه المرجعية بما تحتويه من مبادئ وغايات سامية وأفكار قادرة على تغيير حال الأمة حتى تكون واقعا يعيش به الناس ولا تكون ثقافة نخبة، بل ثقافة شعب، ثقافة مجتمع، ثقافة متجذرة في أمة. وعند تحديد الغايات والأهداف نعرف لمَ نعمل وأين نريد الوصول ونجتنب الأعمال المعطلة لتقدم أمتنا فنتقدم نحو الغاية دون انحراف على المسار، وإذا عرفنا ذلك وعلمنا هدفنا كان العمل قرينا للعمل موازيا له، فغاية العلم العمل، والعمل لا ينجح إلا إذا وجد قاعدة شعبية تبنت الفكرة وتبنت العمل لها. وهكذا لا يكون الإصلاح عمل أفراد وطموح نخبة، بل يكون الإصلاح والتغيير هدف أمة بكاملها، وتكون الأمة محرك الإصلاح.