lundi 26 décembre 2011

الإسلاميون بين الثورة والحكم

كثيرا ما كان مصطلح "الإسلاميون" يرتبط بالمعاناة والجهاد والمصابرة والتشبث بحبال المقاومة والتمرد على واقع بلداننا الميتة، حتى صاروا رمزا للنضال وقمة الثورية، ويكفي أن كلمة "خوانجي" في تونس كثيرا ما نُطق على أثرها مباشرة "اُسكت وإلا توزرنا" فللفظ دلالاته في مخيلة الشعب وله أبعاده العميقة التي تمتد من فترة الاستعمار إلى مقاومة أذياله إلى المشاركة في الثورات العربية اليوم. هذا المسار الطويل كان له أبعاده في الفكر الإسلامي بصفة عامة حيث أنه كثيرا ما اتسم بـ"لذة" المقاومة، كما يرونها، وأهمية قول كلمة الحق عند السلطان الجائر حتى أنهم اعتبروا هذا العمل هو بمثابة إحياء أمة وهو من اهم أنواع الجهاد، أن تكون في أول صفوف مقاومة الظالمين والدفاع على حق المظلومين. أدّى هذا الحس الثوري لنحت شخصية الإسلامي حتى كادت أن تكون هويته هي "الرفض"، رفض جميع أشكال الظلم، رفض الواقع، رفض العمالة والخيانة والتواطئ ورفض السكوت على الحق، فالإسلامي الحق هو من لا يخاف لومة لائم. وقد أحسن محمد مختار الشنقيطي حين عبر عن هذا بقوله "الإسلاميون أقوياء في التمنّع"

بهذا المنطق نزل الإسلاميون بين من نزل خلال الثورات العربية وساهموا فيها من داخلها، فهذا ميدانهم وتلك ساحاتهم وخلف قضبان السجون أبنائهم وفي القصور الشاهقة جلادهم الأكبر، قطعا سيكونون في مقدمة الثائرين فالصفقة مع النضال لا تزال قائمة إلى يوم يبعثون. وبعد الثورات، استحقوا بجدراة الفوز بثقة الشعب وترشيحهم لمنصة الحكم. وأخيرا تصدر الثائرون منصة التتويج ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل يصلح الثائر للبناء ؟ هل يستطيع من تمرس على الهدم أن يشرع في بناء دولة ؟ لا أشك البتة في القيمة العلمية للإسلاميين فالجلاد عرف حق المعرفة من يسجن إذ انه سجن أصحاب الفكر والقلم والكلمة التي تحدث رجة في نفوس الشعب، سجن كفاءات علمية وقيمة فكرية كبيرة وأقسم عليها ألا ترى النور، فالرجل الذي تختلط بداخله القيمة العلمية مع شجاعة الثائرين يشكل عقبة حقيقية امام النظام البائد، فعرف رأس الفساد عندنا أن القضاء عليهم هو الأساس الصلب الذي سيمكنه من الوقوف على الجثث الحية من أبناء هذا الشعب وترك في من ترك ثائرين لم يعرفوا الطريق الصحيح الذي يؤدي لقلب النظام فوقعوا في شراكه عند أول محاولة للظهور، وترك علماء عملاء كثيرا ما كان من خصالهم الكذب والنفاق وتزييف الحقائق، فما أغنى علمهم عنهم شيئا. لكننا اليوم نقف أمام مشهد آخر، فمساجين الأمس الثائرون صاروا إلى الحكم وأزلام كثيرة من المهادنين للنظام السابق لا تزال تمسك بمفاصل قوية في الدولة. لا أشك أن قيم الحكومة الحالية ستكون مخالفة للحكومات السابقة ولا مجال للمقارنة بينهم، تختلف العديد من الأمور الذاتية والقيمية وحتى العملية ويساهم واقع ما بعد الثورات ورقابة المجتمع الذي نسي كلمة الخوف والمتطلع للحرية والتقدم وتجاوز كبوات الماضي كل ذلك يساهم في استقامة حكومتنا الحالية ويذكرهم بالمطلوب منهم والمرجوا من عملهم، يذكرهم أنهم من الشعب وجزء منه ومطلوب منهم النزول للشارع، يذكرهم انهم خدام للشعب ومطلوب منهم الاستماع للمواطن البسيط ويبعث موجات قوية تتردد داخل أركان وزاراتهم من حين إلى آخر أن لقد انتهى عصر رخاء الحكومات واستمتاعها بآلام شعوبها في قصورها الفاخرة. كل هذه الامور اعتبرها في صالح الإسلاميين اليوم ولا أخشى منها شيئا وكل هذا سيدفع الإسلاميين لإثبات جدارتهم بثقة الشعب فأنا متيقن من قدرتهم على تقديم صورة ممتازة للعمل الإسلامي كما كتبوا عنها في كتبهم وتلقيناها وتعلمناها منهم. لكن الذي أخشاه على الإسلاميين بصفة عامة، رموزا وقواعد، أن يستلهموا من منطق الثورة قبسا ليضعوه في محل منطق الحكومة، فيفسدوا عملهم ويثبتوا فشلهم، وهو أمر ليس بهين خاصة عند قواعد الحركات الإسلامية وهو ما ينذر بالفشل الذريع في الموازنة بين ما يستعمل من سلاح في كل مكان، السلاح الذي سيؤدي للنجاح يختلف من مكان إلى آخر وعلينا إيجاد تلك الموازنة التي ستكسبنا الفوز في معركة الإصلاح، الموازنة بين استلهام هويتنا الثورية ورفع شعار المحاسبة قبل المصالحة وبين المهادنة والنفاق، الموازنة بين إصلاح احوالنا وبين الزج بالبلاد في صراعات داخلية متعددة الأطراف، الموازنة بين إقامة العدل بين الناس وبين مهادنة الظالمين، الموازنة بين الحفاظ على هدوء المجتمع الدولي وبين إثارة وتأليبهم علينا، ثم في الأخير الموازنة بين الحفاظ على رأي الشعب وثقتهم وبين إرسال رسائل موجعة لهم توحي إليهم أن الإسلاميين قد حادوا وبدلوا بعد أن فتح الله عليهم، نعم، الموازنة صعبة ولكن علينا إيجاد ذلك الخيط الدقيق الذي يفصل بين هويتنا التي تمرسنا عليها منذ زمن وبين ما كنا نراه مصدر بلاء للبلاد والعباد، بين الثورة وبين الحكومة، ألا تسقط على رؤوسنا وتخسر البلاد أولا وأخيرا.


 لا يزال يحاول الإسلاميون استيعاب أنهم صاروا أهل السلطة وفي حين أنهم لا يزالون يفتحون أعينهم أمام واقع مغاير ومعسكر ليس بالمعسكر الذي اعتادوا عليه يجدون جنودا بين أيديهم كانت في السابق تجلدهم والملفات التي بين أيديهم لا آخر لها، رحل النظام السابق ولم يرث الإسلاميون منه إلا وكر الفساد. إن أصحاب القرار يعلمون علم اليقين أنهم أمام رقعة شطرنج، كل حركة ينبغي ان تحسب لها ألف حساب، وفي حين أننا نعرف اللاعب الأول تتحرك البيادق المقابلة وحدها بطريقة غير منتظمة وعشوائية أو لنقل أننا نقف أمام عدة لاعبين من الجانب المقابل وأخطر ما في الأمر أننا نجهل هويتهم. كل حركة خاطئة يمكن أن تدمر حكومتك فالأطراف المقابلة لن تخسر شيئا بل المواطن البسيط هو الخاسر وسيكون الإسلاميون في الواجهة وستوجه لهم أصابع الاتهام من جميع الاطراف حتى تلك الأطراف المجهولة نفسها. يقع الإسلاميون اليوم في بحر من الضغوطات لا حصر لها، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي وكلاهما خطير ولكن يبقى الاخطر على الإطلاق أن يكون الضغط من داخل التيار الإسلامي نفسه فتتشتت الجهود وتذهب ريحنا سدى، وقد بدأ هذا بالتراكم فعلا ولا يمكن إيقافه إلا ببعض التعقل من جميع الأطراف وفهم الواقع الذي يفرض علينا الدخول لجحر الضب بحذر والأهم من ذلك عدم وقوع أصحاب القرار في الشبهات التي يمكن أن تكون عقباها لا تحمد، السياسي المتميز هو من يقرأ التحديات القادمة ويحاول تجنبها بمناورة من شأنها ان تخفف التحدي أو تزيحها والسياسي الفاشل هو الذي يقرأ التحدي القادم ويحاول تجنبها بمناورة توقعه في تحد أكبر وأعمق بل ربما تفتح عليه مجموعة من التحديات الأصعب. هذا ما أرددت أن ألفت نظر اخواني إليه، واذكرهم أنهم في أصعب وأخطر مراحل المشروع الإسلامي على الإطلاق بل إن فشل هذا التحدي يمكن أن يؤدي بهذا المشروع الوليد إلى الفشل الذريع. مجموعة من التحديات الصعبة ومجموعة من الأخطار والمواقف الصعبة التي ينبغي ان نسير في خضمها دون السقوط لا من على أيماننا ولا من جانبنا الآخر، الإستقامة على طريق الموازنة هي المطلوبة. ينبغي على أبناء التيار الإسلامي إدراك ذلك دون ضرب هويتهم الثورية وينبغي عليهم أن يعلموا أنهم ان اختاروا هذا الطريق سيخسرون الكثير من قاعدتهم الشعبية، ينبغي أن يعلموا أنهم بإمكانهم أن يفوزوا بهذه القاعدة على مصلحة بلادهم، ينبغي أن يعلموا أن كلاهما مهم، ينبغي أن يعلموا أن الإخلاص لله هو الأهم. ينبغي أن يعلموا أن للمعارضة ضريبتها وكذلك لتصدر الحكومات ضريبتها فما بالك ان كانت حكومة موروثة عن ثورة. وينبغي أن يعلم قياديوا التيارات الإسلامية في وقتنا الحالي أن ما أذهب الأنظمة البائدة هي الوعود الجوفاء وأن الشعب يمكن أن يصبر على وعد أو اثنين ولكنه لن يصمت إلى الأبد عن حقه ... أنتم تحت المراقبة من الإسلاميين قبل غيرهم والتخلي على عقليتنا الثورية يعني أننا انتهينا فحافظوا عليها يا أبناء سيد قطب.


jeudi 15 décembre 2011

الخطاب الإسلامي بعد الثورات


من الطبيعي أن تظهر تصورات بناء الدولة عند كل فئة من المفكرين العرب بعد هذه الثورات ويسمع صداها تتردد عند الرأي العام بكثرة،  ومن الطبيعي أن تظهر الأسئلة الكثيرة حول هويتنا وأهدافنا وطريقنا والوسائل التي تمكننا من تحقيق هذه الأهداف،  فهي أسئلة أساسية ولا بد من طرحها لمناقشتها وتناولها بطريقة مستفيضة فضلا عن النظر في القضايا على المستويين القريب والبعيد في الوقت ذاته، فتحديد علاقتنا _مثلا_ بالأراضي الفلسطينية المحتلة ليس مجرد كلاما في الهواء، إن ما يترتب على الإجابة على هذه القضية الهامة علاقات دولية كاملة وتحديد أهداف شعب من ألفها إلى يائها فمن ينظر إلى القضايا المستقبلية على أنها كلاما في الهواء ولا يبغي إلا الحديث على المستقبل القريب، مشكلة "الفقر" _مثلا_ التي كانت عاملا مهما بل أساسيا في قيام الثورة، ويحصر قضية بناء دولة على معالجة هذه الإشكاليات ففي الحقيقة هو يسير على نفس منهجية العرب السائدة منذ عقود، لقد كان همهم الإجابة على المشاكل المطروحة حولهم وفي زمانهم دون التوسع في طرح القضايا وتحديد اهداف بعيدة المدى حتى نقف على أرض صلبة فنعرف من نحن وماذا نريد وإلى أين نتجه، لقد أثبت البعض منا أنهم بهذا المنطق لم يتعلموا من تاريخهم ولا زالوا ينظرون إلى البرامج الآنية على أنها هي القضايا الأساسية دون غيرها في الوقت الذي يراهن عليه الصهاينة على برامج مستقبلية ترمي لقضايا عقود قادمة.

إذا نظرنا إلى ما يطرحه المفكرون الإسلاميون في هذه المرحلة فنجد الضبابية تتطغى على كتاباتهم وقد زادت في لبس هذه الكتابات مشاكل عديدة في الفكر الإسلامي تطرح نفسها بقوة أما السياسيين في الحركات الإسلامية فحدث ولا حرج،  فطرحهم منغمس إنغماس تام في الديبلوماسية والعموميات. لا شك أن العقلاء من فرقاء الإسلاميين السياسيين سينكبون بكل جدية على دراسة نتائجهم المخيبة لآمالهم وسيعدّون نقدا ذاتيا لخطاباتهم بل وتوجهاتهم ككل. ولا ينبغي أن يغفل الإسلاميون على هذه النقطة فالإنكباب على تطوير الفكر الإسلامي أمر مهم في هذه المرحلة، مرحلة ما بعد الثورات، أو دعنا نقل "توضيح" اهدافهم ومرادهم.

إن الحركات الإسلامية قامت بعد سقوط الخلافة مباشرة بهدف إعادة إحيائها من جديد وكذلك إعادة تحكيم شرع الله وإنفاذه في البلاد. إن المشروع الإسلامي الذي يتحدث عنه الإسلاميون قائم على "ان الحكم إلا لله" وهو ما يحيلنا مباشرة على الشريعة الإسلامية المشتملة على مبدأ الوحدة على أساس الإسلام أي الخلافة بغض النظر عن الاختلاف في ماهيتها وحيثياتها ولكن ما يهمني هنا هو المبدأ وهو الأمر ذاته بالنسبة للشريعة، فكل الإسلاميين يتفقون على هذين المبدأين ويختلفون في التفاصيل وهو أمر عادي بل مطلوب. وبكل تأكيد يختلف الإسلاميون في كيفية تصريف برنامجهم وإنفاذه بين من يقبل بالتدرج في إنفاذ الشريعة _ولهم اجتهاداتهم وأدلتهم في أدبياتهم_ وبين من لا يقبل بالتدرج _ولهم اجتهاداتهم وأدلتهم في أدبياتهم. ولا غرابة في هذه الإختلافات فأي مدرسة فكرية تشترك في الأصول وتختلف عند الفروع.

ولكن المحير والذي يلفت الإنتباه أن يكون هذا الأصل "ضبابي" وغير واضح لأبناء الإتجاه الإسلامي ذاته خاصة عند من لم يفرق بين النظرة إلى الغد في حدود الواقعية وبين النظر إلى "المشروع الإسلامي" على المستوى البعيد، أي التفريق بين الخطة المرحلية والخطة الإستراتيجية، وساهم في ذلك نوع من "التبرؤ" من عدة مصطلحات إسلامية مثل "خلافة" و"الشريعة" ووصل الأمر إلى أن حصر تحكيم شرع الله على "مقاصد الشريعة" بإعادة "العدل" و"الشورى" في الحكم و"المساواة" وما إلى ذلك من المصطلحات التي يتفق عليها الإسلاميون مع العلمانيين حتى "ميعت" الشريعة وغرقت في العموميات. وإذا كان العلمانيون واحزابهم يتفقون معنا على مثل هذه القيم فهل تكون بذلك احزابا إسلامية ؟ أو ان الاحزاب العلمانية لم تدعوا إلى العدل والمساواة ... ؟!

هذا من ناحية الخطابات "السياسية" والمناظرات التي تقدم للمواطن اما إذا اطلعت على كتب كل من الفريقين فيتضح لك مشروعهما والاختلاف التي بينهما ولا تبقى إلا المشاكل الفكرية التي يعاني منها المثقفين العرب أنفسهم في التوفيق بين التراث والحداثة وأعتقد ان المفكرين العلمانيين أثبتوا فشلا ذريعا في التوفيق إذ أنهم ركزوا جهدهم على محاولة الظفر بـ"الحداثة" في حين أن الإسلاميين قدموا مشروعا يشتمل على التوفيق بين الأمرين وساعدهم في ذلك منهجيتهم التي انطلقت من التراث للظفر بالحداثة على عكس الفريق الاول الذي تجاوز التراث إلى الحداثة وكانت النتيجة التي وجدها مشوهة.

التنصل من اهداف الحركة الإسلامية (بعيدة المدى) ينسف المشروع الإسلامي من أساسه أو يكاد ويساهم في وضع الحواجز في طريق متبني المشروع قبل المواطن لفهم هذا المشروع وإدراك الغاية منه واجزم أن عرض المشروع الإستراتيجي يساهم في إضفاء المصداقية والطمأنينة بين من اختار هذا المنهج ويساهم في رسم ملامح المشروع الإسلامي منذ بدايته. أما الإعتماد على توضيح البرنامج المرحلي فقط فستجعل من الإسلاميين انفسهم صورة فسيفسائية لا تستطيع ان تجيب على سؤال وحيد "ماذا تريد ؟ وإلى ما تطمح؟". والهروب من هذه الإشكالية لن يزيدها إلا تعقيدا. فمعالجة الأمر من أساسه هو الأهم وهو الذي سيساعد على جعل أفراد الحزب مجموعة أقرب إلى بعضها البعض واكثر حرصا على الوصول إلى هذا المشروع فضلا عن ان فهم الأهداف وتوضيحها ستساعد على خلق نواة حركية داخل الحزب لمواجهة الرأي العام ونشر وإقامة تمايز بين المشروع الإسلامي وغيره من المشاريع عوض أن يكون أفراد الحزب نصف منتمين ونصف مشروع ونصف إسلاميين حتى انك تخشى امام احدهم ان تقول "خلافة". ينبغي ان نصحح المفاهيم ونقدم مشروعا خال من المواقف الديبلوماسية ومن المراوغات السياسية وإنما يكون واضحا مفهوما لكل من أراد الإطلاع عليه. المواصلة على الطريقة الحالية يذكرني بطريقة العلمانيين "القفز" على التراث ولكن هنا المشكلة اعمق إذ انها قفز على الاهداف ! قفز على الفكر ! قفز على الذات ! الخوف كل الخوف على قواعد الحركات الإسلامية التي غابت عنها اهداف هذه الحركات ولم تفهم ماذا تقصد بـ"المشروع الإسلامي"، هذه الطعنة الثانية إذا واصل الساسة والمفكرين الإسلاميين على هذا المنهج بعد أن ظلت قطاعات واسعة ممن يؤمنون بالمشروع الإسلامي خارج دائرة المساهمة في العمل الحركي وتعطلت بذلك فاعليتهم في البناء ولا شك أن كل حركة تتنصل من اهدافها لن تجلب إليها فرقائها السياسيين ولن يلتف حولها أبنائها.

ما الذي يضير الساسة أن يوضحوا للناس أن مشروعهم الذي سجنوا من اجله هو إقامة الشريعة ثم يوضحوا لهم ماهية الشريعة والسبيل لإقامتها ؟ ما الذي يضيرهم إن قالوا بكل صراحة أن هدفنا هو أسلمة المجتمع ؟ وإقامة الخلافة ؟ وكل ما كتب في كتبهم وسطر بأناملهم ولم يقله لسانهم حاليا ؟
في خضم خوفهم هذا من طرح القضايا الإستراتيجية يحاول مخالفيهم استدراجهم للبوح بما يخفون وما لا يصارحون به عامة الناس فيراوغ الإسلاميون ويجيبون على الأسئلة في بعدها المرحلي فقط. هل أنتم مع مجلة الاحوال الشخصية ؟ نعم هي مكسب وطني وسنحافظ عليه ! وفي أفضل التصريحات يقال هي مكسب وطني ومطابقة للشريعة في "مجملها".  رغم أن الكل يعرف أن فيها مخالفات شرعية وكتب فيها الشيخ الزمزمي في التسعينات نقدا فضلا أن التصور الإسلامي للمجتمع لا يقف عند هذا الطرح بل يتجاوزه ليكون مؤطرا بالكتاب والسنة بعيدا عن سياسة اللبرلة، فلمَ لا يتم إعداد بحث مفصل فيها لنميز به بين الخبيث والطيب وبين التجديد الذي قاده الشيخ طاهر الحداد رحمه الله وبين التجاوزات التي تحسب عليه وتوجت في المجلة ؟ بعيدا عن مجلة الأحوال الشخصية،  ألم تسمع مثلا لتصريح الشيخ راشد الغنوشي وهو يقول أننا لن نغير نمط عيش المجتمع ؟ وكذلك تصريح الأخ رياض الشعيبي في نفس المسألة ؟ أو عند إجابة الشيخ راشد على سؤال المذيع الفرنسي حول إقامة الشريعة فأجاب لا لن نقيمها ؟ أو ان الخلافة الإسلامية وهم وهي قضية غير مطروحة ؟ وغير ذلك من التصريحات التي تصب في ذات الإطار ؟ أليس مهما ونحن نبتنى برنامجا إقتصاديا يكرس الرأسمالية وينحو منحى الليبيرالية أن نوضح للناس موقفنا منها ونفرق بين الإستراتيجي والمرحلي ؟ أليس تكريس الرأسمالية من أكبر الخطايا التي يمكن أن نرتكبها في مجتمعنا ؟ إن الحركات الإسلامية قائمة على المنهج الثوري فهي كما يصفها الشيخ راشد الغنوشي تطرح على نفسها برنامجا تغييريا شاملا يستهدف التغيير من الجذور، فلمَ لا يتم تحرير المصطلحات وتوضيحها للناس عوض التبرئ منها ؟ لمَ لا يتم التحدث عن أسلمة المجتمع على أنه تحشيد لأجهزة الدولة وإمكانياتها (من إعلام وتعليم وفنون ...) لغرس الأخلاق الإسلامية وترشيد المجتمع نحو الفضيلة ؟ ولم لا يتم التحدث عن الشريعة الإسلامية على أنها مقاصد واحكام وتطرح شاملة غير منقوصة على المجتمع عوض طرحها على انها مجرد مقاصد فقط لنتوافق في ذلك (من ناحية الخطاب) مع اليسار الإسلامي ؟ ولم لا يتم التحدث عن الخلافة على انها وحدة للدول الإسلامية إقتصادية واجتماعية وسياسية ؟ إن تحييد المصطلحات وتوجيهها وترشيدها هو المطلوب منا اليوم بدل ان نترك الفرقاء السياسيين يوجهون الشريعة الإسلامية نحو الحدود دون غيرها سواء أكانوا من الإسلاميين عن جهل منهم او من علمانيين عن سوء نية ومحاولة لتشويه الخصوم من قبلهم.  إنني أدرك تمام الإدراك أن هاته الإجابات جميعها تجيب على مستوى واحد وهو المستوى الحالي، المستوى الأول، فهي متعلقة بالسنوات القليلة القادمة التي سنعيشها ولم تتم الإجابة على المستوى الإستراتيجي. لذلك عندما تقرأ كتاب الحريات العامة والدولة الإسلامية أو غيرها من كتب الشيخ راشد وكتب المفكرين الإسلاميين والشيوخ تجدهم يتحدثون عن هذه الامور ويأصلونها ولكن أعتقد ان "خطابنا" الذي نتوجه به إلى الناس فيه العديد من النقائص التي ينبغي أن تراجع فقد فتت حصون الإسلاميين وزرعت الشكوك حولهم وهذه هي مغبة افتراق الخطاب السياسي عن التأصيل الشرعي والفكري والإكتفاء بالطرح المرحلي وعدم الغوص في أعماق المسائل لتحييد المصطلحات وإرجاعها لأصلها وطرح الموضوع بجميع حيثياته وتفصيلاته بدل إغراقه في العموميات. 

هذه إشكالية من إشكاليات "الخطاب الإسلامي" اما في دراسة ماهية المشروع الإسلامي وكيفية معالجته لكافة المشاكل التي تطرح على الفكر المعاصر فذلك ينبغي أن ينكب عليه المفكر الإسلامي بكل قوة وأن يكف عن ترديد كلمات مثل سماحة وسطية وما إلى ذلك من الصفات التي يردفها المفكر الإسلامي من حين إلى آخر وهو يصف المشروع الإسلامي ويتعدّا هذا الأمر إلى الانكباب على معالجة مشاكل أكثر جوهرية تطرح على مجتمعنا في الوقت الراهن، ما يؤسفني حقا ان المفكرين الإسلاميين يعيدون نفس المقالات بل والكتب مئات المرات ليثبتوا ان الاحزاب الإسلامية لا تتبنى العنف أو انها تؤمن بسماحة الإسلام أو غير ذلك من الأمور المعلومة عند العامي البسيط قبل المفكر. لنكف عن إجترار المسائل وإعادة صياغتها ومن اعتقد ان الفكر الإسلامي قد بلغ منتهاه فلا شك أنه لا يعرف معنى "فكر".



vendredi 25 novembre 2011

الأقلية ومنطق نلعب وإلا نحرم


بعد ما عبر الشعب التونسي على اختياراتو في الانتخابات وإللي شهد بمصداقيتها القاصي والداني والفرقاء السياسيين للفائزين قبل أصدقائهم نلقاو توا أفكار غريبة تخرجلنا من حين لحين كيما مثلا فكرة "المجلس الموازي" لمحسن مرزوق إللي بش يصوغ دستور، دستور يعبر على تصورات المشاركين فيه، لكن من أنتم ؟ شكون المشاركين فيه ؟ تنجمو تعطيو نفس النسب الموجودة في المجلس التأسيسي وتحطوهم في المجلس الموازي ؟ وشنو رأيكم كان نزيدو نعملو مجالس موازية اخرى وكل واحد يغني على ليلاه ؟ المشكلة مش في مبادرة انطلقت من مجتمع مدني ولكن المشكلة الأساسية هي إذا كانت أفكار المجلس الموازي (ماهوش منتخب) بعيدة كل البعد على اختيارات وتوجهات المجلس التأسيسي (إللي انتبخبوه) شنو بش يعمل وقتها محسن مرزوق وجماعتو ؟ هل يعتبرو ارواحهم قامو بواجبهم وعطاو "اقتراحات" وماتفعلتش وإلا يحاولو يعملو "ثورة ثانية" ضد المجلس التأسيسي ؟ هذا إللي بش نعرفوه لكن حبيت نقول راهو من لخر كل حزب عطى البرنامج متاعو والشعب قرر واختار رغم ما يقال ع "عدم عدالة الانتخابات" وبطبيعة الحال هاذم مزالو ماهمش راضين بطريقة الحساب إللي ظلمت النهضة ويحبو يزيدو يظلموها أكثر لكن مش مشكلة لازمهم في الانتخابات الجاية درس أفضل بطريقة حساب عادلة للأصوات بش يلقاو ارواحهم ع الهامش .. بش نكونو واضحين؛ أنا مانيش ضد المجتمع المدني والمبادرات متاعوو ع خاطر دون مجتمع مدني فاعل ومتحرك وناشط لا ثما لا تقدم ولا والو ولكن الشيء اللي يخوف كي تقرا كلام "الأقلية" .. مثال بسيط ع الأمر هذا بش نعرفو استراتيجية الأقلية اللي في المجلس إللي يخدم تحت سقفها محسن مرزوق، نعرفو إللي المجلس التأسيسي "سيد نفسه" و"يمثل الشعب" ومهمتو صياعة الدستور، هاذي حاجة بديهية وإلا علاش عاملينو ؟! لكن شوف ديكتاتورية الأقلية وشوف كلامهم وشنوة تخطيطهم بعد حكاية "المجلس الموازي" : ((الدستور لن تقع صياغته من طرف الأغلبية داخل المجلس التأسيسي وحدها بل سيكون لـــــلأكــــــــثــــــــريـــــــة من الشــــــــــــــعـــــــــب خارج هذا المجلس الكلمة الفصل من خلال فرض كلمتها وإيصالها إلى المجلس التأسيسي الذي سيكون امام خيارين لا ثالث لهما إما الاستجابة للإرادة الشعبية أو تحمل تبعـــــــــات ثـــــــــــورة ثــــــــــــانية قد تعصف بأركان الحكومة الجديدة)) هذا سيدي خويا كلام الصحفي عبد الجبار المدوري في جريدة صوت الشعب العدد 25 الصفحة 3 في مقال تحت عنوان التأسيسي بين الأغلبية والأقلية. الكلمتين هاذم وحدهم انجمو نطلعو منهم 200 غلطة ع الأقل .. نبداو بإسم الجريدة (صوت الشعب) من أنتم ؟ باهي لا علينا في هاذي تعداها شوية ديكتاتورية بروليتاريا برك .. قالك يا سيدي الأغلبية "وحدها" ماهاش بش تحط دستور، اي شكون معاها ؟ قالك معاها جموع الثوار امام المجلس ! لا وزيد قالك "للأكثرية من الشعب"! بالله ؟! هيا مالا كل واحد يجيب جماعتو قدام المجلس ونقعدو نهار كامل نتظاهرو وإللي يجيب أكثر هو الرابح ؟! وقتاش كانت مظاهرة في شارع بش تقرر وتفرض رأيها على المجلس إللي انتخبو الشعب كامل ؟! ياولدي برصمي من أنتم ؟! وبعد السيد يهدد، قالك عندك خيارين ماتحكيليش يا إما يستجيب المجلس وإلا نشعلها البراا ونعمل ثورة ثانية "تعصف بأركان الحكومة"، اي نعم، يا نلعب وتكون عندي الأغلبية وإلا نحرم هاذي هي كان سمعتو بها ديكتاتورية الأقلية، مصطلح جديد يبدعوه أصحاب الحداثة المزيفة. والله حاولت نحط المظاهرات في نطاق "حرية التعبير" مانجمتش السيد يقلك الشارع بش يفرض ع المجلس يا تستجيب يا نقلبوها الدنيا ؟! شنوة يقصد ؟! يحب يعمل "معركة" ؟! اي نعم بابا هذاكا هو الجواب، السيد يحب على معركة قدام المجلس التأسيسي، اسمع شنو يقول ((إن المعركة لم تنته بمجرد انتخاب المجلس التأسيسي بل ربما قد تكون انطلقت الآن انطلاقة حقيقية وفعلية. وقد بــــدأت بالفعل بشـــــــــائر هذه المعركة من خلال التجمع الذي تزامن مع افتتاح المجلس التأسيسي والذي شارك فيه الآلاف من المواطنات والمواطنين ليوجهوا رسالة إلى أعضاء المجلس التأسيسي انهم بالمرصاد لأي تلاعب بالإرادة الشعبية أو إلتفاف على الثورة)) والله معقول كي يحكي ع تحرك الشارع بش يذكرو المجلس التأسيسي بأهداف الثورة وإلا بش يعبرو على رأيهم وإلا غيرو بالعكس حاجة حضارية ياسر إذا ماكانتش تعدي مادي وكانت سلمية. لكن "معركة" ! علاش معركة ؟! ولازم نعرفو إللي المظاهرات إللي البرا "تذكر" مش تفرض ماكانش تولي ساحة "معارك" قدام المجلس مش "ديمقراطية" ! يعني كان نربطو كلامو "معركة" + "فرض على المجلس التأسيسي" + "ثورة ثانية" + عواصف ومانعرفش شنوة نلقاو في آخر الأمر كارثة كبيرة ياسر .. الكلام هذا مانقولوه كان كي تكون الحكومة إنقلبت على اهداف الثورة وماحققتش مطالبها أما كي يقولو واحد قبل ما تباشر الحكومة اعمالها إنجم نقول إللي المعارضة بش تكمل في غبائها السياسي وبش تحقق في آخر الأمر حاجة من اثنين واحلاهما مر : إما تزيد تخسر أكثر ثقة المواطن وإلا تدخل البلاد في حيط .. أنا نتصور أصحاب العقلية متاع "نثورو ع الحكومة قبل ما تبدأ" ما ينجمو يكونو كان جماعة مالقاتش روحها وبش تتخذ سياسة أخرى "محاولة إضعاف الحكومة الجديدة قدر الإمكان" وبعد تقول للشعب "هاو إللي اخترتوهم دخلوكم في حيط هيا اختارونا نحنا" من لخر ربي يستر من العقلية هاذي وان شاء الله تكون المعارضة في المستوى المطلوب منها وتكون معارضة فاعلة وتحب تبني مش تحب تعرقل على خاطر الإسلاميين ربحو، ولازمهم يتذكرو إللي تونس قبل الاحزاب وقبل كل شيء قالو معركة ومنطق عادم وتفشليم زايد.
كيفكيف زادة موقف مية الجريبي على الفايسبوك كي قالت أن الأغبية مطالبة بإرضاء الأقلية : ((و مثير للقلق أن نقرأ لأمين عام حزب حاز الأغلبية العريضة في الانتخابات قوله بأن "الأغلبية ليست مطالبة بإرضاء الأقلية")) بالله يا أستاذة فهمني بجاه ربي ؟ يا أستاذة هاو بش نعطيك مثال بسيط ع لخر؛ في بالك السلفيين تيار موجود في تونس ؟ والأكيد أكثر من أعضاء وانصار وزيدهم إللي يعرفو الحزب الديمقراطي التقدمي ؟ هيا شنو رأيك كان نرضيو التيار هذا (ميسالش اتو نعتبروهم "أقلية") ؟ وإلا نحنا مطالبين كان بإرضاء النساء الديمقراطيات ؟ يا أستاذة هاو من لخر، الشعب اختار الأغلبية في المجلس التأسيسي إللي بش يعمل الدستور والمجلس التأسيسي بش يعمل دستور يرضي الأغبية هاذي إللي انتخبتو. ومش مطالب بش يعملو حكومة تلم احزاب 0.01 الكل ويقعدو إللي خذاو الاغلبية على بنك الإحتياط ! ويعطيو كل حزب من احزاب 0.01 حقيبة وزارية ! بالله العظيم مش كان تعطاهم وزارة وزارة ودار دار مايكفيهمش !! من لخر الأغلبية لازمها تاخذ مسؤوليتها والأقلية تكون في المعارضة وإلا ماعادش اسمها معارضة تولي اسمها حكومة. نقطة إلى السطر.



jeudi 24 novembre 2011

مبادرة الطلبة التونسيين : لا تحقرن من المعروف شيئا


أيام معدودة تفصلنا على 17 ديسمبر يوم إندلاع الثورة التونسية بل الثورة العربية ككل، لا بد ألا يمر هذا اليوم دون احتفال بهذه الذكرى ولكنني فكرت أن يكون الاحتفال من نوع آخر، أن نجعل هذا اليوم يوم تكافل إجتماعي ويوم جمع تبرعات في الجامعات التونسية خاصة حتى يستمر الطلبة في دورهم الفاعل في المجتمع التونسي. 
الفكرة بسيطة وهي أن يتكفل بهذه المهمة أفراد من كل جامعة ويتم جمع التبرعات (بطبيعة الحال تكون التبرعات مسجلة في دفتر للأمانة والإلتزام بالتنظيم والشفافية في ذلك) ثم تقديم هذه التبرعات لجمعيات خيرية أو مباشرة لفائدة عائلات محتاجة أو التمهيد لبعث قافلات في اتجاه المناطق المحرومة أو غيره من الأعمال الخيرية التي ستدل حتما أن المجتمع المدني لم ولن ينسى دوره الإصلاحي.
أرجوا أن يتم دعم هذه الفكرة ونشرها بين الطلبة والتعريف بها على صفحات الفايسبوك لغاية يوم 17 ديسمبر يوم انطلاق العملية وتكون تحت عنوان "لا تحقرن من المعروف شيئا".




mardi 15 novembre 2011

قررت الإنسحاب من النهضة بسبب ..

بعد الثورة المباركة وبعد عودة حركة النهضة قررت الإنخراط في حركة النهضة قصد المشاركة في الحياة السياسية في البلاد فقد كان لزاما على الشعب التونسي أن يشارك فيها بفعاليلة كبيرة بعد أن أقصي منها لعقود من الزمان .. وكان سبب اختياري لحركة النهضة بالذات انني كنت أراها هي الأفضل على الساحة وذلك من عدة نواحي عدة؛ فهي أولا الأقرب لأفكاري وطموحاتي وكنت أعتقد ان البعد الديني في الحركة هو بعد قولي وفي نفس الوقت بعد فعلي أيضا ولكن ما راعني إلا أنني وجدت حركة صورتها مدنية وفي كواليسها ذئب يحاول الإنقضاض على الناس، فكثيرا ما سمعت في مكاتب محلية عبارات مثل "تسويق حزبي"، "تصريحات للإعلام" وغير ذلك من الكلام الذي يدل فعلا على إزدواجية الخطاب لدى هذه الحركة فما يعلنونه للناس عكس ما يتداولنوه في مكاتبهم، لم أكن اعتقد ان المظاهر خداعة لهذه الدرجة، صحيح ان سيماهم في وجوههم ولكن ما تخفي قلوبهم عكس ذلك فليس كل ذا رائحة عطرة سيكون حلو المذاق، وهذا ما استنتجته لكن للأسف بهد فوات الأوان. 

في الاحزاب الأخرى يتداولون مواضيع مثل الإقتصاد، والسياسة، والتنمية، والحداثة، اما في حركة النهضة فالمواضيع المطروحة لا تتعدى فرض الحجاب على الشعب وإقامة الخلافة المنشودة بعد أن ينقلبون على الديمقراطية بعد عدة سنوات وفرض لحية لكل مواطن ومثل هذه المواضيع الثورية. لا أحد يعتقد أن هذه المواضيع الهامة التي من اجلها طرد المخلوع لكن للأسف يوجد في تونس حزب يتبنى هذه الأفكار بل يجترها صباح مساء حتى تفرق بين المرئ وحزبه لاختلاف على الحجاب أو اللحية أو حتى لون الحجاب أو طول اللحية. هذا دون الحديث عن شبابها الذي تتمحور أكبر امانيه على إقامة حرب شعواء من اجل إغلاق حانة أو فتح مسجد 24/24. 

لكل هذا يمكنني ان اعتبر حركة النهضة تجمع بثوب جديد ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب وأرجوا ألا تكون هذه الفترة حالكة أكثر من الفترة السابقة.



شخت ؟ فرحت ؟ عملت جوو ؟ هيا ايجا للصحيح توا :)) 

كلمات رائعة ينتظرها كل شخص مريض بالنهضافوبيا أعتقد أنها نزلت على قلبه بردا وسلاما ولربما سارع لنشرها على صفحات الفايسبوك قبل أن يكمل القراءة لآخر المقال. ما الذي وجدت داخل حركة النهضة وفي مكاتبها ؟ وجدت أناس تعمل صباح مساء دون كلل أو ملل يتناقشون في جميع المواضيع دون استثناء بل إن ذلك هو ديدن الشباب قبل المختصين في تلك الأمور بل إنني اجزم أن كل لقاء يجمع بين أفراد من شباب الحركة يكون فيه الحوار حول مواضيع مهمة وتبادل وجهات النظر والتحدث على آخر ما قرأ كل واحد منهم من أبحاث وكتب ولا تجد حوارات عقيمة ولا حديث في أعراض الناس ولا غير ذلك من الحوارات واللقاءات التافهة التي لن تقدم شيئا وعلى عكس ما يظنه كثيرون أن النقاشات لا تتعدى ثنائية حلال/حرام؛ افعل/ لا تفعل؛ فإن هذا الكلام لا أساس له من الصحة وليس الخبر كالمعاينة فهم من أبناء الشعب وثقافتهم من صلب ثقافة الشعب أيضا وهذا هو فعلا التجسيد الصحيح للشباب الإسلامي الفاعل. وهذه المواضيع هي التي تجدها في مكاتب الحركة إن لم تكن كلها فلنقل جلها وهي التي تطمح الحركة لتعميمها بين الناس حتى تنتج حوارا بناء يرقى بتونس بالمشاركة مع مختلف القوى الوطنية. أما عما يروجه بعض المرضى من أن خطاب الحركة يختلف عما يروجونه داخل حزبهم فيكفي أن نشير إلى أن الحركة الإسلامية في تونس قد أثرت على الفكر الإسلامي العالمي، اي نعم العالمي، وأدبياتها وأفكارها مدونة وموجودة في كتب ولا يوجد عند الحركة ما تخفيه وكل ما تؤمن به الحركة يمكن لأي كان مراجعته والعودة إليه عوض أن يكتفي البعض بذر الرماد على العيون والتحدث في المطلق وقذف الناس بما ليس فيهم، الأمر لا يستحق لكثير عناء إلا بعض الجهد لفتح كتاب ومطالعته حتى تتكون لدى بعض القوى "الحداثية" فكرة بسيطة على هذا "العدو" أو البعبع الذي يواجهونه فهم إلى الآن لا يفرقون بين سلفية/نهضة/تحرير ويعتبرونهم أصحاب نفس الأفكار في حين أن مرجعيتهم واحدة ولكن توجد إختلافات بينهم. بل إن ما شدني في حركة النهضة هو مدى تواضع قياداتها حتى أنه يخيلك إليك وانت تتحدث معهم أنهم من أعضاء الحزب البسطاء، فلا تكبر ولا غرور ولا كلام بإزدواجية ولا هم يحزنون بل لا تجد إلا الأخلاق الرفيعة حتى في الحديث على الفرقاء السياسيين تجدهم يتحدثون بمعقولية كبيرة وروح يغلب عليها حب الوحدة والإلتفاف على مصلحة البلاد على عكس ما يفعله ويقوله بعض غلاة الحداثة المزعومة. هذا بإختصار ما يمكن ان تجده في حركة النهضة ومحال ان يكون حزب تجمعي جديد لأن المبدأ الأساسي الذي يطبع على جبين كل من يدخل الحركة هو "إذا كنت جاي بش تاخو من توا شد داركم؛ إذا كنت جاي بش تعطي من جهدك وفلوسك ووقتك وتعبك مرحبا بيك انتي في المكان الصحيح" ومحال مثل هذه القاعدة تجدها في الكثير من الاحزاب الاخرى التي اضطر بعضها لـ"كراء" شباب حتى ينشروا منشوراتهم بين الناس حتى أني استوقفت أحدهم في إحدى المرات وسألته على البرنامج فقال بالحرف "نعرف علاهم، أنا أعطيني ناخو الـ20د ونكمل الأوراق إللي في يدي ونمشي على روحي" لذلك صديقي لا تستغرب إن وجدت أن حركة النهضة فاتت الـ40 بالمئة في حين الحداثجيين يعومو في الصفر. لذلك صديقي يمكن أن تجد من الحركة التجمعي المطرود وإلا إللي جاء يلج ع فلوس قطر بش يمشي أمورو ومالقاش وإلا أصحاب الألوان المتعددة وأصحاب فكر "مع الواقف" بإمكانك تلقاهم الكل ع بررّا، أما من تبنى فكر النهضة حتى إن كان خارج الحزب فأكيد جهده سيكون في صالح مشروع الحركة.
والسلام

samedi 12 novembre 2011

مبدأ مشاركة الإسلاميين في حكم غير إسلامي

مبدأ مشاركة الإسلاميين في حكم غير إسلامي (1)

السيد الرئيس، أيها الأصدقاء والإخوان،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقدمة :

تحاول هذه الورقة الإجابة عن موقف الإسلام من مشاركة معتنقيه في تأسيس أو إدارة نظام غير إسلامي ؟

1- والسؤال يتضمن التسليم قبل ذلك بوجود نظرية للحكم الإسلامي، من واجبات المسلمين الدينية والعمل على إقامتها أفرادا وجماعات.

2- كما يتضمن ثانيا عدم قيام الحكم الإسلامي في الظرف الزماني والمكاني موضوع البحث، وإلا لوجب على المسلم دينا أن يواليه ويعمل على إصلاح ما عساه يكون قد اعتراه فساد.

3- ويتضمن ثالثا عدم توفر إمكانية قيام الحكم الإسلامي. وذلك بعد استنفاد الجهد في التوسل إليه. وإلا لوجب على المسلم المبادرة إلى ذلك واسترخاص كل الجهد والمال والنفس والتعاون في ذلك على إنفاذ أمر الله سبحانه وتعالى .. بإقامة عدله في الأرض (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ))، (( فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واعتصموا بالله ))، (( وأن احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهوائهم ))، (( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون )). 

اوضاع استثنائية :

نحن إذا نتحرك في هذا البحث ليس ضمن الحالة او القاعدة الأصلية، حيث يمكن لجماعة المسلمين أن تؤسس نظام علاقاتها الفكرية والسياسية والإقتصادية والدولية وسائر علاقاتها على نظام الإسلام بما يعبر وينسجم ويتناغم مع عقائدها ومواريثها المذكورة .. وفي اعماق الضمائر التي لا تزال مؤثرة في كل جوانب حياتها رغم ما قوضه الاحتلال الغربي وخلفاؤه من أسس ومواريث حياتنا الإجتماعية.

البحث هنا يتحرك في دائرة الإستثناء، حيث يتعذر على جماعة المؤمنين المضي إلى هدفها مباشرة بإقامة حكم الإسلام. فتجد نفسها أمام خيارات وموازنات صعبة.

ولأن من سمات المنهج الإسلامي الواقعية والمرونة بما يحقق خلوده وصلاحه لكل زمان ومكان، ولأن حياة الجماعات البشرية عامة، ومنهم جماعة الاخوان المسلمين، في حركية دائمة مثل حياة الأفراد، تتوارد عليها حالات الصحة والمرض، والنصر والهزيمة، والتقدم والتأخر، والضعف والقوة، فلا مناص لدين جاء يغطي حياة البشرية في كل أصقاعها وعلى امتداد الزمان ان يتسع لتغطية كل اوضاع التطور التي يمكن أن تمر بها جماعة او جماعات من المسلمين دائما راسما امامها معالم الخط العريض والخطوط المتعرجة، فلا يكتفي برسم القواعد الكلية لأوضاع التطور السوية، وإنما يضع بين أيديها قواعد وآليات تغطي الاوضاع الإستثنائية، أوضاع الاستضعاف، حتى يكون المؤمنين أبدا في علاقة وطيدة مع قواعد الشريعة، في حال اليسر والقوة كانوا، او كانوا في حال العسرة والاستضعاف.

فقه المصالح والضرورات :

إذا كان التراث الفقهي عند المسلمين هو أثمن وأعظم تراث قانوني لدى امة من الأمم، حتى ليصح القول عن امة الإسلام : إنها أمة الفقه والقانون، فإن من عظمة هذا الفقه استنادا إلى قواعد تشريعية كبرى، ينبثق عنها، وترتد فروعها إليه، أعني : علم الأصول، الذي هو علم إسلامي عظيم.

ولقد حظي هذا العلم بعقول عظيمة تتابعت على تأصيل قواعده وتطويرها وإثرائها وصقلها، حتى بلغت مع العلامة الأندلسي الشاطبي أوجا عظيما متقدما امتدادا للنهج الذي سنه الإمام الشافعي. فقد انصبت نخبة من العقول العظيمة التي امتلأت يقينا بعظمة الإسلام، وغاصت في نصوص الوحي كتابا وسنة، في تراث الفقه والتطبيق الأساسي وسائر علوم الإسلام خلال القرون، كما استوعبت جملة المعرفة البشرية المعروفة في العصر، وصاغت من خلال كل ذلك قواعد التشريع على ضوء ما استخلصته من مقاصد الدين، وجملة مقاصد الدين تدور حول مصالح العباد، فإنما لأجل ذلك جاء الدين. يقول الشاطبي : "إنّا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره"، ويقول :" غن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا .. قال تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ))، وقال تعالى : (( ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب ))، ثم فصّل صاحب الموافقات أنواع المصالح التي بعث الرسل لتحقيقها في حياة البشر سواء منها ما كان مصلحة ضرورية، أي : لا بد منها في قيام مصالح الدين والنفس والنسل والمال والعقل، ثم مصالح حاجية إذا تخلفت وقع الناس في الضيق والرحج، كالتمتع بالطيبات، ثم مصالح تحسينية .. كآداب الاكل والشرب مما لا يعد فقدانها مخلا بسير الحياة لانها للتحسين والتزيين."(2)

والاتجاه العام في الفكر الإسلامي المعاصر إلى قبول أصول الشاطبي إطارا عاما لمعالجة المشكلات المستجدة في حياة المسلمين، انطلاقا من هذا الأصل العظيم : إن الدين إنما نزل للتحصيل والمحافظة على مصالح الناس في الدنيا والآخرة. وفي هذا المنظور العام والمقصد العام للشريعة أمكن لجزئيات الدين ان تجد كلها مكانها اللائق بها كفرع من أصل، وفي هذا المنظور نفسه يمكن أن تجد المشكلات المستجدة في حياة المسلمين حلولها المناسبة التي تضمن تحقيق مصالح المسلمين بل حياة البشرية وتدرأ عنهم الشرور والمفاسد دونما أي حاجة إلى التمرد قليلا أو كثيرا عن شرع الله .. لا سيما وقد تضمن هذا الشرع أصولا عامة يمكن أن يتأسس عليها اجتهاد جديد كلما حصل تطور في الحياة معتبر. ومن هذه الأصول ما يستجيب للأوضاع العادية التي مر بها المسلمون أفرادا وجماعات، ومنها ما يغطي أوضاعهم الإستثنائية .. مثل مبدأ الضرورات تبيح المحضورات، مما نص عليه القرآن الكريم في قوله : (( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ))، ومثل مبدأ الموازنة بين المصالح والمفاسد، فما غلب ما فيه من صلاح على ما فيه من فساد فهو مشروع، ومثل مبدأ المآلات فأفعال المكلفين لا يحكم عليها المجتهد بالجواز من عدمه إلا بعد النظر إلى مآلها من غلبة المصلحة أو المفسدة، وغيرها من أصول الإجتهاد.(3)

المشاركة في السلطة غير الإسلامية : 
إذا كان الأصل في أفعال العباد الجواز ما لم يرد مانع، فالمانع هنا متوفر وهو الأمر بإقامة حكم الله والنهي عن الحكم بغيره. من هنا وجب على المسلمين أن يبذلوا وسعهم في الاستجابة لأمر الله بإقامة حكمه. ولكن ماذا تراهم يفعلون إذا لم يكن ذلك ممكنا ؟ إن أصل التكليف هو التكليف بما يستطاع، يقول تعالى : ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)).
يمكن تعريف الحكم الإسلامي بأنه نظام للدولة، حيث :
تكون المشروعية العليا أو السيادة للشريعة، للوحي باعتباره السلطة الحاكمة على كل سلطة، ففي إطار اجكامها يجتهد الفقهاء لاستنباط الحكم الجزئي، وبها يحكم القاضي، بل إن سائر مؤسسات الدولة يجب ان تتحرك في إطار الشريعة الإسلامية وتوجيهاتها مقاصدها.
أن تكون السلطة التامة للشعب عبر صورة من صور الشورى، فإذا كان هذا الصنف من الحكم ممكن القيام فالواجب على المؤمنين ألا يدخروا وسعا في ذلك. ولكن إن كان ذلك غير ممكن فما عساهم يفعلون، لا سيما إذا تعرضوا أو بلادهم للخطر ؟
إذا عرف أن حكم الإسلام استهدف جملة من الأهداف الإنسانية مجتمعة، فإذا تعذر ذلك وجب العمل على تحقيق ما هو ممكن منها عملا بقاعدة الاستطاعة، أي : أننا مكلفون في حدود ما نستطيع، فإذا كانت استطاعتنا تطال المشاركة مع غيرنا، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، في إرساء نظام اجتماعي، وغن لم يكن قائما على الشريعة الإسلامية، لكنه قائم على حكم مهم كم قواعد الحكم الإسلامي الشوري، أي : مبدأ سلطة الأمة، بما يدرأ شر كالحكم الدكتاتوري، أو تسلطا أجنبيا، أو فوضى محلية او مجاعة، أو يضمن تحقيق مصلحة وطنية إنسانية، كالاستقلال، أو التنمية او التضامن الوطني، او الحريات السياسية العامة والخاصة، كحقوق الإنسان والتعددية السياسية ةاستقلال القضاء وحرية الصحافة وحرية المساجد والدعوة. هل يمكن للجماعة المسلمة أن تتاخر عن المشاركة في إرساء نظام ديمقراطي علماني إن لم يمكن إقامة نظام ديمقراطي إسلامي، فيقيم حكم العقل إن تعذر حكم الشرع بلغة ابن خلدون ؟ (4) كلا، بل الواجب الشرعي أن يشارك المسلم في تحقيق مثل هذا الحكم، فردا كان او جماعة، عملا بالأصول والمقاصد الشرعية السالفة التي تؤول إلى قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، او قاعدة الضرورة والاستطاعة، او النظر في مآلات الأفعال وغيرها من قواعد الشريعة.
وقائع مثبتة :
ويمكن الاستئناس بوقائع وسير وردت في القرآن الكريم والسنة في مجرى التاريخ الإسلامي للتأكيد على جواز مشاركة المسلمين أفرادا وجماعات في تأسيس، أو مجرد إدارة، حكم غير إسلامي من شأنه أن استجلاب مصالح أو درء مفاسد متحققة، او حتى مجرد مظنونة ظنا راجحا.
المثال الاول من القرآن الكريم : 
النبي يوسف عليه السلام : لقد خصه القرآن بسورة رائعة حكت سيرته ومسيرته من ظلام الجب، حيث زج به اخوته، إلى أضواء وفتنة قصر فرعون حيث تعرض للإغواء الجنسي، ومن ظلام السجن إلى سدة الحكم. والملفت والمحير ان هذا الشاب الذي عركته المحن وما إن توفرت له فرصة النهوض بمسؤولية الحكم حتى طلبها ودون انتظار حتى تعرض عليه، وذلك إيمانا بواجب إنقاذ كثيرة معرضة للمجاعة دون أي انتظار منه ان تتوفر له الفرصة لدعوة شعبه المصري الوثني إلى عبادة الله الواحد، وتكوين قاعدة ينهض عليها حكم الإسلام.
كل الذي استحضره الشاب ان الدين إنما جاء لمصالح العباد، وأن المصلحة التي تنتظر يومئذ هي إنقاذ الانفس من هلاك محقق، وانه قادر على ذلك. فكيف ينتظر أو يتردد أو يرفض بذريعة عدم توفر القاعدة الصلبة ؟ ذلك غير جائز فليدرأ في العاجل مفسدة المجاعة، وليحقق مصلحة حفظ النفوس، وعسى تكون الفرصة مواتية بعد ذلك لدعوة الناس إلى توحيد الله وعبادته.
نحن هنا امام مشاركة فاعلة في إدارة دولة غير إسلامية، لتحقيق مصلحة عامة للناس هي حفظ نفوسهم وهي مصلحة من مصالح الدين، وقد يقرب قضاؤها الناس في الدين ويعرفهم ببركاته، فيتعرفون إليه عيانا سبيلا للتعرف على إيمانا. ومهما جادل بعض الفقهاء في دحض هذه الحجة بالخوض في مسألة ان شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا أو غير ذلك من الحجج الرافضة، يبقى إيراد القرىن الكريم لقصة يوسف بذلك التوسع والتنويه مفعما بالدلالات على ان فعل يوسف عليه السلام هو محل قرار إلهي، وأن أوضاعا مشابهة يمكن أن يلاقيها مسلمون أفرادا او جماعات .. يكون الخيار امامهم إما المشاركة السياسية في إقامة أو إدارة انظمة للحكم غير مسلمة من اجل تحقيق مصالح معتبرة لهم ولدينهم، تدفع عنهم وعن دينهم شرورا راجحة، او التفريط في ذلك مما يفضي إلى تضييع مصالح والوقوع في الحرج وحتى المحظور او الهلاك.
المثال الثاني : النجاشي :
هو ملك الحبشة زمن البعثة. لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عددا من الصحابة لما اشتدت المحنة أن يهاجروا إليه، واصفا إياهبانه ملك لا يظلم عنده الناس. ولقد أثمرت إقامة أولئك الأصحاب في حماية ذلك الملك العادل دخوله في الإسلام، دون أن يتمكن من إدخال تعديلات تذكر على حكمه في اتجاه تطبيق الإسلام، إذا لم يكن ذلك ميسورا بل إن من شأن تلك المحاولة أن تضيع ملكه وإخوانه المؤمنين ضيوفه. ولقد سجلت السيرة النبوية قصة ذلك الملك بإكبار وتنويه إذ قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه باداء صلاة الجنازة على روحه لما بلغه نبأ الوفاته.
يقول ابن تيمية : "ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن فإن قومه لا يقرونه على ذلك. والنجاشي وأمثاله مع ذلك سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على إلتزامه بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها". (5)






1 : في الأصل محاضرة ألقيت في ندوة "مشاركة الإسلاميين في السلطة" التي عقدت يوم السبت 20 فبراير 1993 في جامعة ويستمنستر-لندن، الذي نظمها مركز أبحاث الديمقراطية في الجامعة بالإشتراك مع منظمة "ليبرتي" وهي منظمة دولية تتخذ من لندن مقرا لها وتعنى بالترويج للديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات السياسية في العالم الإسلامي.
2،3 : أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة (بيروت دار المعرفة) ج2، ص6-8
4 : أبو زيد عبد الرحمان بن محمد بن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر : مقدمة ابن خلدون، 7ج (بيروت دار الكتاب اللبناني 1956-1959)
5 : تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، ج19، ص218-219




هذه الوثيقة موجودة كملحق في كتاب الحريات العامة في الدولة الإسلامية طبعة دار المجتهد ص398-402

jeudi 10 novembre 2011

نص داخلي لحركة النهضة حول العلاقات الخارجية

مقتطف من نص داخلي لحركة النهضة حول العلاقات الخارجية في تأصيل أسس شرعية لسياستنا الخارجية.

فنقول وبالله التوفيق : العلاقات الخارجية لجماعة إسلامية، أي : علاقاتها بالجماعات والدول والشخصيات هي محكومة كسائر العلاقات الأخرى بضوابط السيسة الشرعية، إذ ما يحل لمؤمن أن يقدم على عمل حتى يعلم حكم الله فيه. وفي هذا الصدد يمكن الإلماح إلى الضوابط والأسس الشرعية التالية :

1- قاعدة الولاء والبراء والمودة : "إن ولاء المسلم أي : مناصرته ليست إلا لله، أي : لكتابه ورسوله" (السنة) وللمؤمنين ((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا))، وفي كل الاحوال ان جاز له أن يناصر كافرا أو ينتصر به فليس أبدا على مؤمن، ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين))، ((ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء)).

2- إن إقامة علاقات التعاون في ما وراء ذلك وإقامة المعاهدات بين المؤمنين والكافرين ليستا محظورتين طالما لم يكونوا في حالة حرب معلنة على الإسلام وامته، وإلا فلا تعاون ولا مودة. ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ات تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)). وقال تعالى : ((لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من  حاد الله ورسوله ولو كانوا ءابائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه)).

3- إن الذين ليسوا مع المؤمنين في حالة حرب ولم نعلن عليهم الحرب فأموالهم ودماؤهم وأعراضهم علينا حرام ((أن تبروهم وتقسطوا إليهم)).

4- إن المؤمنين أمة واحدة ((إن هذه أمتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون)). فالواجب موالاة المؤمنين والعمل على وحدتهم ونصرتهم وعدم خذلانهم حسب المستطاع. الأصل إن سلم المؤمنين واحد وحربهم واحدة.

5- ولكن المؤمنين اليوم ليس لهم إمام واحد، فهم جماعات وأفراد، الأمر الذي يجعل عهدهم ليس واحدا بحكم امر الواقع، بل يمكن أن يتعدد. فالضابط الحاكم في علاقاتهم في كل الاحوال "أن المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه". وقاعدة : لا ضرر ولا ضرار. فإذا اقتضت مصلحة معتبرة لجماعة مسلمة أن تقيم علاقة مع نظام غير إسلامي يضطهد جماعة إسلامية فهل يحل ذلك ؟ يحسن تجنب ذلك، لكن إن لم يكن منه بد لحماية أرواح واعراض فريق آخر من المسلمين، فذلك جائز شريطة ألا يكون ذلك خذلانا لطائفة من المسلمين أي : على حسابها، أو استعداء لها، إذ المسلم لا يخذل المسلم وإنما يخذل عنه ويسعى لإنقاذه ولا يعين عليه أبدا في كل الاحوال.

6- إن إقامة المسلم في الدول الكافرة محكومة بعهد هو تأشيرة الدخول المخولة له وهي تتضمن عهدا متبادلا، باحترامه قانون تلك البلاد مقابل تعهدها بحمايته.


منقول من كتاب الحريات العامة في الدولة الإسلامية ص390-391
طبعة دار المجتهد للنشر والتوزيع

vendredi 4 novembre 2011

ثورجية في دقيقة

بعد ظهور ما يعرف بالمفتاح في دقيقة ظهرت حاجة جديدة وهي الثورجية في دقيقة .. عندنا برشا ثورجيين في تونس طاحلهم الشارج متاع الثورجية ولاو مستحقين يعملو ضربات ثورة كل مرة .. وبطبيعة الحال ما تحلى الثورة كان ع حركة النهضة .. الحركة الصهيوأمريكوموزنبيقية .. نلقاو عباد يثورو ع النهضة علاش ؟ ع خاطرها حاولت تطفئ مخاوف اليهود التوانسة وتطمئن جميع الأطراف سواء الداخل وإلا الخارج سواء العرب وإلا الغرب سواء علمانيين وإلا إسلاميين باختصار العباد الكل .. ثما عباد استغربو .. قالو كيفاش النهضة ترضاهم ؟؟ وقالو هاو النهضة عندها أكثر من أربعة أيام "شادة الحكم" شنو عملت ؟؟ وشوية آخر يخرجو باستنتاج أن الحركة عميلة ومنافقة وماهاش تخدم ع روحها .. هاذي مصائب الثورجية في دقيقة .. شنو المطلوب بابا من الحركة بالضبط ؟؟ أول ما يسمعو القياديين إللي النهضة ربحت يهبطو لجربة يشدو اليهود غادي يفشخوهم ؟ وإلا يمشو ديراكت يلوجو ع حكومة الظل ويشدوها يصلبوها ع المنقالة متاع تونس ؟ وإلا كي يشوفو واحد من المتورطين في الفساد يخلطو عليه يشلبقوه ؟؟ وإلا يهربو يتخباو وراء أقرب شجرة بش ما ياخذولهمش معاه تصويرة ؟؟ وبالنسبة للعلمانيين شنو تحبوهم يقولو ؟؟ هانا ربحنا ووالله لا عاد تشوفوها الحكومة وماعادش تحلمو بالديمقراطية ؟؟؟ وإلا يقومو للغرب ويتهددو عليه ويقولولو هانا شدينا الحكم واتو نزدمو عليكم ونسترجعو صقلية والأندلس ؟؟ شنو هالحاااالة في البلاد ؟؟؟؟ والله واحد لا عاد فاهم شيء .. الناس الكل لامت ع الحركة كيفاش ماخرجتش بيان ع يسري الطرقي وقالو شباها لتوة وبطات وأول ما خرجت البيان في عوض يقولو صحة قالو سداف .. ولات الحكاية متاع نفاق ومش من قلوبهم ومانعرفش شنوة ؟ يعني كان ماخرجتش يأولو الحكاية وكان خرجت يقولو يكذبو ؟ باش يخممو هاذم بجاه ربي والله ساعات نقعد باهت .. عموما نعرفو إللي الغاية هي إرضاء الله مش إرضاء الثورجيين ولكن يا عباد شوية عقلانية يهديكم راهي سياسية مش طرح نوفي .. الحكومة مازالت ما تشكلتش وهوما يطالبو بتطهير وزارة الداخلية حاصيلو تجي تفهم تدوخ تي وزارة الداخلية وحدها ماخور في وسطها بش تنظاف لازمها مشروع، شباهم فاهمين النظافة ع انها باكو اومو ونظفها من الأول للخر وإلا شنو الحكاية ؟؟ ونفس الشيء بالنسبة للسفارة الجزائرية إللي بعثت مجموعة من الدعوات لكذا شخصية وبطبيعة الحال لازمها تبعث لحمادي الجبالي بما أنو رئيس الحكومة القادم وظهرلها بش تبعث لفلان وفلان التجمعي، باش مطالب حمادي الجبالي ؟ أول مايجيه الاستدعاء يطلبهم يقلهم لشكون عيطتو من رموز النظام السابق ؟؟؟ ياولدي راهو حركة سياسية ماهاش مصباح سحري، وكل الأحزاب إللي في حكومة الوحدة الوطنية توا مطالبين أنهم يكونو فاعلين ويتحملو كامل مسؤوليتهم مش ضربة ضربتين يقوم واحد منهم يبيع في الكلام ويقول "لو يصير كذا أنا ننسحب"، "لو تدخل البلاد في حيط انا اندد"، "لو يشد بوش رئيس حكومة أنا نولي في المعارضة" بطبيعة الحال هذا كل رميان كلام، يقول القائل علاش ؟ هوما يعرفو إللي حركة النهضة قبل كل شيء ماهاش بش ترضى بالامور إللي هوما يفترضو فيها نهار كامل وهوما متأكدين 1000 بالـ100 من هذا بش بعد كي الحركة تمشي ع نفس إللي قالوه يقولو للتوانسة "كان ماجيناش أحنا هددنا الحركة راهي عملت الحاجات إللي توقعناها" ووو، يبيعو في الكلام للتوانسة ويسوقو في تصريحات للاستهلاك الإعلامي وثورجيي الفايسبوك يتبعو كل كلمة تتقال من غير لا يخدمو مخاخهم، هذا الكل بش تطلع الأسهم متاعهم أكثر عند الشعب .. لكن إللي متاكد منو أنو الحركة إللي اختارها الشعب بالاغلبية بش تعبر ع تطلعاتو وتحقق مطالبو الثورية وتنظف البلاد من المواخير إللي فيها والمسألة وما فيها مسألة وقت لا أكثر وثما مواقف مايسمعوهاش العباد لكنها مطروحة في داخل الحركة وتدرس كافة الاختيار بتفاني كبير وعباد فيها ماترقدش بالليل ع الحكايات هاذي وتبات تخدم لصالح البلاد، هاذم نفس العباد إللي تعذبو من الفساد هوما توا تاعبين بش يصلحوه والواجب توا شوية ثقة فيهم وشوية تريث والإصلاح يجي بشوية بشوية من تصليح القضاء قبل كل شيء إلى محاسبة رموز الفساد إلى تحقيق كافة بقية المطالب، ومالازمناش ننساو إللي الحركة الإسلامية في تونس هازة ع عاتقها حمل كبير ياسر يتمثل في المشروع الإسلامي إللي لازمو ينجح ولو كرخ من كرخ بش يعرف كل معارض للتيار الإسلامي كوعو من بوعو والحركة عارفة قدر المسؤولية هاذي ومدركة تماما إللي هي ممثلة للتيار الإسلامي في المنطقة وإللي بش تعمل تجربة في تونس بش يدرسوها الشعوب الإسلامية الاخرى يعني إذا نجحت تمهد بذلك الطريق لتيارات إسلامية أخرى في بلدان اخرى، الحركة تدرك تماما ان المشروع ماهوش قطري فقط (قطري بضم القاف مش بالفتحة، بش مايمشوش القطروفوبيين لبعيد) ومن جانب ىخر لازمنا نعرفو إللي ثما برشا قوى "حداثية" تحب تدخل البلاد في حيط بأي شكل من الأشكال خاصة في الفترة هاذي اللي بش تمتد لمدة عام بش يلقاو بشنوة يروجو لاحزابهم الفاشلة في الحملة القادمة ويقولو هاو النهضة شنو عملت للبلاد وهي ماهاش قادرة بش تخدم وهاو إضرابات وإحتجاجات وكالعادة يشوهو الحركة بش يربحو أصوات العباد وإحتجاجات سيدي بوزيد فيها والإضرابات الأخيرة إللي شهدتها البلاد دليل ع هذا، والشيء مزال، العباد إللي انقلبو ع جبهة الانقاذ في الجزائر باستخدام الجيش وتواطؤو مع فرنسا ودخلو بلادهم في عشرية دموية ينجمو يعملو أي أسلوب آخر ويستغلو الاعتصامات والمظاهرات لنفس الغرض، لإقصاء الإسلاميين، مش نظرية مؤامرة لكن الحجج إللي نشوف فيها ع الفايسبوك لتوتير العباد والقضايا اللي صارت منذ الانتخابات لتوة وإللي كانت متسارعة وعديدة في ظرف جمعة لازمنا نكونو منها حذرين واستغلال هذا الكل في تخوين حركة النهضة (إللي مزالت ماعملتش حكومة وإللي أكدت وعاودت انو البلاد مسؤولية جميع القوى مش كان النهضة برك، هوما يحبو يرمولها الكورة) حكاية علاها أكثر من نقطة استفهام كذلك بالنسبة لاحد زعماء القطب إللي اتهم الحركة بعديد الاتهامات الصبيانية في قناة الآن في محاولة يائسة منهم وما أبهم منو كان هاك الكائنة الفاضائية إللي مشاتلهم في فرنسا وتتشحت فيهم بجاه ربي عاونونا راهم ربحونا وهذا دليل على مدى ***** العباد إللي كيفها واستعدادهم للتحالف مع فرنسا ضد النهضة. بطبيعة الحال ثما شكون بش يعتبرو هذا هزان قفة وفارينة وإلى ذلك من التأويلات (كالعادة) نقلهم العباد إللي ماهزتش القفة لابن علي ماتهز القفة لحتى واحد آخر وكان جاء عيننا ع القفة رانا وقت ابن علي شخنا وإلا رانا توا في حزب اللاوطني الخر ع الأقل غادي تمشي تاخو فلوس وتروح عامل جوو وإلا رانا مع جماعة البي دي بي إللي يفرقو في المنشورات متاعو بالفلوس وكاري شباب لهذا، مش ندخلو مع النهضة نخدمو ونتعبو ونزيدو نمولو مقراتنا وتلقانا في لخر فرحانين بخدمتنا، حاصيلو برشا عباد من احزاب أخرى ماهاش بش تفهم ع خاطر مش مستنانسين، هذا ثقة في الحزب إللي انتخبناه وماناش مطالبين أننا ننتخبو حزب وبعد نهارين تلقانا درنا نسبو فيه ع أسباب تافهة قال شنوة ماناش نهزو في القفة (نفس العباد هاذم وقفو ضدنا كي خرجنا لاعتصام القصبة ثلاثة وجايين توا بعد الانتخابات بنهارات وبعد ماخسرو يحبو يثورو) لهذا الثورجية البيدونة ماناش مستحقينها توا إنما نخلوها للوقت المطلوب والصحيح وإللي يكون لا غبار عليه مش أي خبر يخرج ع الفايسبوك نتلفت نلقى العباد الكل تندب فيهم وتبكي وتنوح. السياسة هي فن الممكن مش ثورجية ببهامة.  




vendredi 21 octobre 2011

ذكريات من السجون التونسية

قال صاحبي : دخلنا معتركا تغلب عليه أخلاق اللئام وكثيرا وما كنا نجاري أخلاق أناسه فلماذا دخلناه ونحن نعلم ما هو وما هم وما نحن ؟!
قلت : دخلناه لنصبغه بصبغة أخلاقنا ونطهره من الدرن الذي علق به.
قال : السياسة لا أخلاق لها وقد دخلناه ونحن نعلم ذلك وأوتينا من حيث نعلم وهذا في السياسة عين الحمق.
قلت : لم يكن حمقا لكن أردنا أن نقيم الحجة على كل الساسة في المدينة حتى لا يكون لهم علينا حجة يوما ما.
قال : ليس قدرنا أن نقضي سنوات السجن ونتحمل آلام من اجل إقامة حجة على بعض أناس لا يرعون للعهد إلاّ ولا ذمة. وقد كان لنا عليهم الحجة المرة تلو الأخرى وما تسميه أنت بالحجة لم يكن يتطلب منا كل هذه التضحيات وإذا لم تكن خِبّا فما كان ينبغي أن يخدعك الخب، وقد مرّ زمن وفعلنا في التاريخ والمجتمع معطّل ولا يهمل قيمة الزمن إلا من جهل معنى الفعل في الحضارة.
قلت : لست أنكر قيمة الزمن ولا معنى الفعل في المجتمع والتاريخ ولكن ...
ولكن ماذا ؟ قاطعني : تريد أن تبرر أخطاء وقعت ونعيش نحن الآن تبعاتها لعل مشكلتنا أيضا وجود كثير مثلك يبررون الخطأ ويتغاضون عنه.

استفزني حديثه كثيرا ولم أستسغ مقاطعته لي واتهامه إياي بالتبرير وهممت أن أقطع الحوار معه فلا أحد منا نجا من أثر السجن عليه ولكني كنت مدركا حرصه على مستقبلنا ومعنى ما يعانيه رجل يرى أن مكانه ليس السجن وأنه يموت كل لحظة، يذكر أن فعله في الحضارة معطّل ويعطله جلاد جاهل كان باستطاعتنا أن نزيحه من طريقنا لو أحسنّا إدارة المعركة ولعلي كنت أبادله الشعور نفسه، وكثير منا، بل كلنا يشعر بما يشعر به هو ولكنه استبق الحديث فاتهمني وعذرته حرصا على الحوار وحفاظا على أواصر الود التي تجمعنا وتفويتنا على الجلاد فرصة خلاف سعى إليها بكل الوسائل ومازال يقتنصها ليغنم نتائجها فينفرد بنا مشتتين وينجز ما منعه منا اتحادنا وماذا يفيد الخلاف والخطأ والسجن نعانيه وعلينا أن نضرب الرأي بالرأي حتى يبدو لنا برق الصواب.

هدّأت من روعه وقلت لا بأس لن أبرر الخطأ ولكن لن أبكي على ما فاتنا. نعم أخطأنا وعلينا أن نحسن تجاوز الخطأ ونهمل اختلافنا حول رأي قد لا نتفق عنده ولا يجدي خوضنا فيه فإذا أدركنا اننا خدعنا وان الساسة في المدينة قد نكثوا عهودهم معنا فلنبحث كيف لا نخدع مرة أخرى وكيف يكون تعاملنا مع من لم يحترم عهده، أليس أفضل من إضاعة الوقت، والسجن تجربة مفيدة برغم قساوتها ومرارتها وليس حتما أن نمرّ بهذه التجربة وحتما علينا أن نستفيد منها ما دمنا فيها وخضناها.

قال : اتعلم يا أخي، حديثك قادني إلى فكرة لو استطعنا أن نمررها ونقنع بها غيرنا لأدركنا ما فاتنا من الزمن.
قلت : وما تلك الفكرة ؟
قال : لا ينهزم احد في معركة حتى يهزم في نفسه أولا وأحسب أن الجلاد تمكن من بعض نفوسنا فمنهم من اخذته شدّة العذاب ومنهم من زعزعت ثقته وعلينا أن نغير ما بانفسنا حتى نستبق الزمن ونعمل لما بعد السجن.
قلت : أوضِح
قال : لماذا لا نقطع التعذيب من السجن وندفع بالجلاد إلى ذروة حمقه فينقلب إلى ضدّه ونحيا في السجن كما نريد نحن لا كما يريد هو حتى إذا خرجنا من السجن لم نضع الوقت في محو آثاء الانهزام في النفوس.
قلت : سيكون ذلك شديدا.
قال : وأشد منه سيكون، ربما تقتل أنت أو انا أو غيرنا وسنرى ألوانا من العذاب لم نعرفها من قبل وقد لا نلتقي بعد اليوم سيقذف بنا أو ثلة منا إلى الصحراء، وعلى سجون أخرى سيتوزع الباقي لكن ذلك لن يدوم ستكون معركة صبر لن يغلنا فيها فانظر ماذا ترى ؟

كان يحدثني كأنه من خطط فكل الذي توقعه كان، فلقد رأيتُني وأنا في الصحراء وقلبي يكاد ينفطر وأخ لي غيره يحدثني عن واحد من خيرة إخوتنا أعيا الجلاد صبره فطفق يزيده العذاب حتى ضاقت أنفاسه، كنت في القنّ وحدي حين رمي به إليّ، ضممته إلى صدري كان قاب قوسين أو أدنى من الموت، تأملني بعينين يشع منها رجل عرف الحق فاتبعه وأبى الظلم فقاومه فتاملني كانه يشفق على وحدتي أو يعجّل بوداعي، قال لي : اصبر ولا تحزن.

لم أشعر إلاّ والدموع تغمر خدّي تفيض على صدري، ثيابي، لم يكن هينا على نفسي أن أفارق رجلا مثله قتل غدرا .. أحببته أخا وأبا وابنا كان لا يخشى في الحق لومة لائم لكنه .. ما إن أدرك .. مات ..


من رواية برج الرومي (أول رواية عن تعذيب المساجين الإسلاميين والسياسيين في السجون التونسية) للكاتب سمير ساسي، المقتطف من صفحة 133-134-135-136

lundi 17 octobre 2011

التراث بين النهضة اليابانية والنهضة العربية


هذا المقال هو استكمال للمقال السابق "في الحداثة الشكلية ونبذ التراث" وسأحاول في هذا المقال التركيز على ما قاله بعض الأساتذة في مقارنتهم للنهضة العربية والنهضة اليابانية علما أن النهضة العربية بدأت قبل النهضة اليابانية بل كان المفكرون اليابانيون يترجمون كتب رواد النهضة العربية مثل الطهطاوي وخير الدين التونسي. السؤال عن سبب نجاح النهضة اليابانية خلال القرن التاسع عشر وفشل النهضة العربية يتطلب أكثر من مقال وفيه أكثر من نقطة لا ينبغي غض البصر عنها، لكن سأحاول التركيز علة نقطة مهمة اعتبرها العديد من الأساتذة الدارسين للتجربة اليابانية ساعدت في نجاحهم وهي تمسك اليابانيين بهويتهم وثقافتهم حيث يقول الأستاذ مسعود ضاهر : (( برزت تيارات يابانية تدعو إلى التخلي عن التراث الياباني بكامل رموزه : اللغة، والآداب، ونظام التعليم، ونمط الحياة الإجتماعية وغيرها. ودعا بعض المفكرون اليابانيون صراحة إلى تبني الحرف اللاتيني، وأشكال السكن والطعام واللباس السائدة في الغرب. واعتبر بعضهم أن الحداثة تراث غربي محض لا يمكن أن ترسخ في الدولة بالكامل [إلا إذا تخلصت] من موروثها القديم واعتمدت الأشكال الغربية بحذافيرها في مختلف المجالات. ولكن محاولات التغريب تعرضت لانتقادات شديدة من جانب القوى الأساسية الفاعلة في المجتمع الياباني التي آمنت أن التحديث شيء والتغريب شيء آخر، وأن بامكان اليابان الاستفادة من جميع العلوم العصرية مع الاحتفاظ بكامل تراثها اللغوي والثقافي والفني، بالإضافة إلى عاداتها وتقاليدها الموروثة. فانتهت عملية الاقتباس عن الغرب بتبني الكثير من نتاجه التكنولوجي والقليل من انماطه السلوكية والاجتماعية والسياسية والثقافية والفنية )). كما ذكر الأستاذ أيضا، وهو مؤرخ له كتب حول التجربة اليابانية ومقارنتها مع التجربة العربية، ذكر أن من بين المراحل الأربع التي مرت بها اليابان كانت المرحلة الأخيرة تدعو إلى التفريق بين العلوم الغربية وبين آداب وثقافة الغرب وكان شعارها هو "علوم غربية بروح يابانية". 
إذا تستطيع ان تلاحظ أن الحفاظ على هوية الشعب وتراثه أمر مهم ادرجه المفكرون ضمن أسباب النهضة اليابانية، وهذا السبب نفسه أدرجه الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه وجهة نظر ضمن أسباب نهضة الغرب الحديثة إذ انهم صاغوا نهضتهم على أساس الإندماج في تراثهم المستمد من الثقافة اليونانية القديمة والرومانية مراعين في ذلك امرين، أولا ترجمة الكتب العربية التي حافظت على تراث اليونان وطورته، ثانيا عدم الذوبان في الثقافة العربية الإسلامية وفلسفتها. بل يؤكد الدكتور محمد عابد الجابري أن هذا الأمر من أهم ما تستند عليه أي حضارة هدفها النمو والإزدهار ويعطي امثلة عديدة في ذلك ليس هذا مجال لذكرها. كما يؤكد شكيب أرسلان هذه الحقيقة فيقول : (( إن ظفر اليابان بالصين لم يثبت علو الأفكار والمبادئ العلمية التي اخذتها اليابان عن الغرب وكفى بل أثبتت أمرا آخر وهو أن شعبا آسيوي بمجرد إرادته وعزيمته عرف أن يختار ما رآه الأصلح له من مدنية الغرب مع الاحتفاظ باستقلاله وقوميته وعقليته وآدابه وثقافته )). 
الاختلاف بين النهضة اليابانية والعربية أن الاولى نجح فيها دعاة التمسك بالتراث وعدم نبذه وراء ظهورهم والتأكيد على لغتهم وثقافتهم ككل أما الثانية فقد كانت السيطرة فيها لدعاة التغريب الفكري، بعض النماذج أوردناها في المقال السابق، فكانت المعركة هنا "شكلية" بينما كانت عند اليابانيين في لب الموضوع بعدم الولوج في معارك وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع بل كان التركيز على ما تضمنه شعار "علوم غربية بروح يابانية" من معان عظيمة وإدراك باهر مما أفرز المقولة الشهيرة للامبراطور الياباني "الحقوا بالغرب وتجاوزوه" بينما كانت المعركة عندنا محتدمة الوطيس حول تغريب اللباس وكان السؤال الأهم لدعاة التغريب أيهما أفضل الحجاب أم الملابس الأوروبية ؟ الجبة أم السروال الغربي ؟ الحروف اللاتينية أم الحروف العربية ؟ (كما حدث في تركيا) ثم سرعان ما تحول هذا الصراع، بعوامل كثيرة أبرزها الاحتلال المباشر، إلى إسقاط النموذج الغربي على الواقع العربي و الإسلامي فكانت النتيجة أن تحالف الغربيون ودعاة التغريب، بوعي أو بغير وعي، لسحق كل مقومات ثقافتنا وأولها الدين الإسلامي (انظر كتاب قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله) وثانيها اللغة العربية، وهذين الركنين إذا سقطا سقطت كلمة "ثقافة عربية إسلامية" وأصبحت بلا معنى، تماما كما نرى اليوم، إذ ان البعض يردد هذه العبارات في حين انها خالية من كل معانيها فيؤكد على سعيه لحماية الهوية العربية الإسلامية في حين أنه يكتب باللغات الأجنبية بياناته وكتبه ومقالاته وحتى كلامه (ههه تذكرت جو في كونفيونس اون بن آلي هععع قتلك اللغة الفرنسية تعبر خير) ولا يرى في حضارته الإسلامية إلا النقاط السوداء جاعلا مرجعيته هي شبهات وتخرصات المستشرقين وبذلك يصبح كالباحث على الزبالات في رحاب قصر التراث الإسلامي خاصة إذا كان في مناظرة مع دعاة التمكس بالتراث، بل تفعيله في الحياة، حيث يظهر لك واضحا بحثه المستمر على أي نقطة سوداء وعلى أي شبهة حتى يثيرها ويحاول استنادا عليها تجاوز التراث تماما دون أي عملية تمحيص وتدقيق فيه، مثله كالذي يريد تجاوز المراحل للحاق بالغرب بأي وسيلة كانت حتى ان كانت تجاوز التراث كله وسياسة القفز على المراحل، بل الأدهى والأمر هو سياسة تكميم الأفواه التي استمرت عندنا من عند دعاة "الحداثة" المزعومة لقرن ونصف مما جعلنا نجتر حوارات قرن ونصف اجترارا ولا نلاحظ أي تقدم في هذا الميدان فأفرز لنا صراعات متكررة صارت توصف بصراعات وحوارات منطقة الصفر، إذا استعرنا عبارة الأستاذ فهمي هويدي، ومن مثال سياسة حوار الحديد والنار ما انتهجه بورقيبة في تونس بشهادة احمد مزالي إذ قال هذا الأخير : (( عندما وضع المسعدي برامج تقضي على التعليم الزيتوني صادف ذلك هوى في نفس بورقيبة الذي يعتبر جامع الزيتونة موطنا للجمود )) وبهذه الطريقة المقيتة كان لبرقيبة الدور الأبرز في تحطيم مشروع الشيخ الجليل الطاهر بن عاشور، الذي يعتبره دعاة التغريب الفكري مجرد رجل جاهل ومن دعاة الجمود ولا يفتخرون بهذا العالم في الحقيقة، ساهم في تحطيم مشروعه والقضاء عليه بجرة قلم إذ أن الشيخ الطاهر كان قد أعد برنامجا لإصلاح التعليم الزيتوني وقد بدأ يعطيى اكله في الحقيقة وذلك من خلال كتابه أليس الصبح بقريب الذي خصصه لهذا الأمر، لكن سياسة القفز على المراحل كانت الأسهل بالنسبة لمخالفيه من أصحاب السلطة ففرضوا منهجهم القائم على القطع مع التعليم الديني والحد منه قدر الإمكان، كيف لا والأستاذة آمال قرامي تعترف فتقول : ((القضاء على التعليم الديني يعد مدخلا ضروريا لتتمكن الدولة الحديثة من علمنة المؤسسة التربوية وصبغ الدراسة بصبغة علمانية غير مقدسة ووضع الأخلاق على أسس نفعية)) وعبارة "القضاء" على التعليم الديني لها دلالات خطيرة في الحقيقة، كما أن كلمة "علمنة المؤسسة التربوية" تؤكد أن المسار الذي نسير فيه هو القضاء تماما على هويتنا في آخر معاقلها بعد القضاء على التعليم الزيتوني والكتاتيب وسياسة تجفيف المنابع. لكن ما يهمنا هو المخطط الذي ينظر إليه دعاة التغريب فإن الذي رفض تعريب العلوم (مشروع بدأ فيه العالم بشير التركي رجمه الله لكنه وجد أن مسير الوزارة الفعلي حينها فرنسا - انظر كتابه الجهاد لتحرير البلاد) وحتى إلقاء مجرد نظرة أو تحفيز أو تخصيص ميزانية في هذا الأمر لا يمكنه إلا أن يستمر في غيّه للقطع تماما مع الهوية الإسلامية بعد أن قطع شوطا هاما في تقويض اللغة العربية وكانت النتائج لهذه السياسة واضحة للعيان من تحقير للغة العربية واعتبارها لغة الصحراء ولا تصلح إلا لمصطلحات مثل "البعرة" و"البعير" حتى أن بعض "العرب" المستغربين الآن يعتبر أن تعريب العلوم والكتب والمؤلفات وآخر ما صدر في العلوم ضرب من ضروب تضييع الأوقات في حين أن اليونان فقط تترجم كل عام ضعفي الكتب المترجمة للغة العربية خلال نفس المدة الزمنية. وهذا الأمر هو ما أدركه الأستاذ مصطفى صادق الرافعي فقال في كتابه وحي القلم متحدثا عن النهضة العربية ((أنها لا تقوم إلا على أساس وحيد وهو غذا نهض الركنان الخالدان، الدين الإسلامي واللغة العربية، وما عداهما فعسى ألا تكون له قيمة في حكم الزمن)). إذا نتبين من الذي سقناه أن الاختلاف بين النهضتين هو أن المجال الفكري فتح على مصراعيه في اليابان، إضافة إلى ان الامبراطور -السلطة- كانت له إرادة للإصلاح وتقويم الأوضاع وهذا ما أكده الدكتور رشيد خشينة، في حين غاب هذا الأمر في بلداننا العربية حين تميز أغلب حكامنا بصفتين أساسيتين هي الغباء،بوعي أو دونه، أو الديكتاتورية وكثيرا ما كانتا صفتين متلازمتين، دعك من العمالة للغرب والسير تحت مشروعهم التغريبي فهو أمر واضح لا يحتاج لتنصيص. وكانت نتيجة هذا الأمر أن حدثت عملية إجهاض فكرية على مدار قرن ونصف، و ((عندما يتخلف القانون او تجف أوراق الحرية يتوقف التقدم، ويصاب الفكر بالعقم ويقضي الناس أعمارهم في الأنين)) كما قال الإمام محمد عبده. وها نحن نكتشف أبعاد قوله حين غابت الحرية الفكرية ووجدنا أنفسنا في الأنين كالعادة لا نكاد نتقدم بخطوة إلا لنتأخر بخطوتين ونحن لا نغادر ثنايا الدكتاتورية المسلطة من قبل السلطة أو الديكتاتورية الفكرية المسلطة من قبل الخلايا النائمة التي كانت تغذي السلطة والتي أطلق عليها زورا وبهتانا النخبة المثقفة، وذكر الأحداث والأقوال المسلطة من قبل دعاة التغريب على مخالفيهم كثيرة، ولا تحسب أن "التكفير" من جهة واحدة وإنما هي من الجهتين فنجد مصطلحات مثل متطرف / رجعي / ظلامي / ... وغيرها من العبارات التي تعتبر نوع من "التكفير"، بما أن التكفير في عصرنا صار انواع، ساكتفي بحادثة تدل على مدى التغريب الفكري الذي نعيش فيه، وهي التي ستبين لك إلى أي حد وصل التطرف العلماني، إذ يقول المخرج السينمائي خميس الخياطي في كتابه معلقا على الشيخ عبد الله المصلح الذي أفتى لامراة تونسية بوجوب لبس الحجاب في عملها يقول : (( مثل هذا الرد هو تعدّ على نظام معيشي إختارته أغلبية الشعب التونسي منذ ما يقارب النصف قرن حتى وان لم يكن هذا الاختيار عن صناديق الاستفتاء، ومن من حكام العرب يستفتي شعبه آنذاك في منتصف القرن الماضي ؟ )) وانظر إلى الكم الهائل من المتناقضات في هذين السطرين من مخرج سنمائي كان حريا أن يقدم برامج تفيد الأمة وتساعد على تطويرها عوض أن يقدم لنا كتابا هزيلا يسعى فيه أولا لتبرير القمع وثانيا للتنكر للهوية شعب مسلم يعتز بإسلامه بله أن تكون الفتيات المحجبات من أكثر الناس اللاتي أعتدي عليهن ولا ينتصر لهن ثم يزعم أنه مع الحرية، فهو لا ينكر على النظام إنما يبرر قمعه ويطالب المحجبة بالالتزام بالنظام الذي اختاره الشعب ثم يناقض نفسه مرتين فتارة يقول لم يختره عبر صناديق الاستفتاء وأخرى يقول من من الحكام يستفتي شعبه؟ ولا أدري إذا كيف اختار هذا الشعب هذا النمط المعين ولا أدري إذا كانت الديمقراطية تعني ديكتاتورية الأغبية وقمع الأقلية في نظره فما بالك ان كانت الأغلبية مسلمة معتزة بدينها، هذا في الصفحة 132 من كتابه تسريب الرمل، وتفهم ما في قلب الرجل حين تعلم انه يصف الحجاب في الصفحة 165 بالخرقة وأن المحجبات يفرضن عليه "ضيقا" إذا ظهرن في التلفاز وكُنّ صحفيات ثم يستمر في هذه الأفكار المستوردة فيقول أنهن (( لا يفصلون فصلا قاطعا بين وظيفتي الصحفي أو المنشط وقناعاته الدينية)).
هكذا انخرط "مثقفونا" في إجهاض النهضة العربية وواجبهم الآن أن يكفّوا عن "تكفيرهم" لمخالفيهم فمن انخرط في تبرير قمع النظام وتغريب شعبه بإلزامه بأفكار غربية وتزيين الديكتاتورية بقناع للحرية واعتبار الحجاب والنقاب والجلباب والصلاة والصوم والزكاة وغيرها من الأمور الدينية مجرد "تفاهات" وسفاسف الأمور ثم من بعد التضييق على الدين التضييق على اللغة وإخراج الشعب من وحدته الإسلامية أولا ثم القومية وحصره في دول قطرية، لا ينبغي له أبدا أن يعيد نفس الخطأ ويحاول الانخراط في قمع إرادة الشعب بالتعاقد مع السلطة من أجل لقمة عيشه، فبعد الثورة السيد هو الشعب وله تقرير مصيره دون حاجته للنقبة الفاشلة. 
يقول جمال الدين الأفغاني : (( لقد علمتنا التجارب أن المقلدين من كل امة المنتحلين أطوار غيرها يكونون فيها منافذ لتطرق الأعداء إليها وطلائع لجيوش الغالبين وأرباب الغارات، يمهدون لهم السبيل، ويفتحون امامهم الأبواب، ثم يثبتون أقدامهم )) وقد صدق رحمه الله. 




dimanche 2 octobre 2011

انتي تونسي ؟ باختصار كون فاعل ..

انتي تونسي ؟ وتحب تشارك في بناء بلادك ؟ 

لقيت برشا أحزاب ودخلوك بعضك ؟ مش مشكلة .. شوف  برامجهم ..
واللي اقنعك منهم انظملو وشارك فيه واخدم تحت سقف الحزب اللي اقنعك واللي تعرف صدقو ..

انتي اطلعت ع برنامج النهضة وفكرها ؟ واقنعتك الحركة هاذي ؟ انظملها ومن غير لا تسب وتشتم غيرك ..

انتي اطلعت ع برنامج المؤتمر وعجبك الحزب هذا واقنعك ؟ انظم للحزب هذا واخدم معاهم من غير لا تسب غيرك وتشتمهم ..

انتي اطلعت على برنامج حزب العمال واقنعك وعجبك ؟ انظم لحزب العمال من غير لا تسب وتشتم غيرك ... إلخ

ماعجبك حتى حزب وطيروهالك الكل ؟ وانتي نهار كامل توصف فاهم بالكذابة والغشاشة والمنافقين اللي يسعاو للكرسي ووو ؟ مش مشكلة ادخل للمجلس التأسيسي بقائمة مستقلة والا كوّن حزب واعطاهم "المثال" متاع الصادق اللي يخدم في بلادو .. (اتو تلقى برشا عباد يقولولك انتي كذاب ومنافق وتجري ع الكرسي ووو وقتها اتو تعرف قداش كنت تافه كي تتهم غيرك هكاكا .. الكلام هذا بش يقعد محفور في عقلية التونسي)

انتي تونسي وفددوك المظاهرات متاع العباد اللي يطالبو بحقوقهم ؟ خلاهم يتظاهرو وماتشاركش ..

انتي تونسي وتحب تدافع ع حقوق الانسان من غير لا تدخل في لعبة متاع احزاب .. شارك في منظمات حقوقية ونقابات ..

انتي تونسي وتحب تعمل الخير لاولاد بلادك وتبعد ع تكسير الراس متاع السياسة والأمور هاذيكا ؟ شارك في جمعية وانفع اولاد بلادك .. 

انتي تونسي ؟ نقص من الكلام واخدم وانفع بلادك ..
انتي تونسي ؟ ماتغزرش لغيرك وتعيبهم إنما كون انتي المثال الصادق واعطاهم المثل ..
انتي تونسي ؟ باختصار كون فاعل ..



mercredi 28 septembre 2011

في الحداثة الشكلية ونبذ التراث

كيف نجد طريق التقدم ؟ الجواب سهل : أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم في الحضارة، خيرها وشرها حلوها ومرها، وما يحب منه وما يكره، وما يحمد منه وما يعاب، فنذهب مذهبهم في الحكم، ونسير سيرتهم في الإدارة، ونسلك طريقهم في التشريع .. هذا كان جواب طه حسين وهو يبشر العرب بطريق التقدم والحضارة الذي أبصره بازغا أمامه من وراء كثبان من رمال «التخلف» الشرقية وكان هذا سبب حملته على التراث وإشغال الأمة بمعركة وهمية حول التراث العربي وتشكيكه في كل ما تناقلته أسلافنا إلينا قائلا حسبكم ذاك تخلف إنما التقدم في السير على طريق سلفكم الصالح، لكن أي سلف ؟ إنه الغرب، السلف الصالح الجديد بالنسبة لدعاة الحداثة الشكلية. لذلك استنتج طه حسين بعد تشكيكه في التراث عن بكرة أبيه وازدرائه لكل ما بين أيدينا من مؤلفات وكتب فقهية وتشريعية ونماذج رائعة لفلاسفة وأدباء وخطباء، كل هذه المؤلفات حسب طه حسين كانت خبط عشواء لان الأصول التي بنيت عليها خيالية أو مختلقة أو محرفة لذلك كان الاستنتاج الذي خرج به أن الحضارة الحقيقية في إتباع الغرب ولا طريق للحضارة دون ذلك. إنك وأنت تقرا لطه حسين تحس فعلا أنك أمام رجل متنكر لأصوله أن صحت العبارة حتى أنه تتملكك الحيرة وأنت أمام الصدمات المتوالية التي تتلقاها من كلامه واستنتاجاته وحلوله لهذه الحضارة التي يبشرنا بها. لم يكن هذا المرض مقتصرا على طه حسين بل تعداه لغيره ممن تؤثروا بفكره من بعده وشاركوه حلوله. وفي هذا المسلك يمكننا آن ندرج أقوال سلامة موسى على سبيل المثال حيث يقول : «إنه إذا كانت الرابطة الشرقية سخافة فإن الرابطة الدينية وقاحة والرابطة الحقيقية هي رابطتنا بأوروبا (هكذا ؟)، فهي الرابطة الطبيعية لنا وكلما زادت معرفتي بالشرق، زادت كراهتي له وشعوري بأنه غريب عني، وكلما زادت معرفتي بأوروبا زاد حبي لها وتعلقي بها، وزاد شعوري بأنها مني وانأ منها، فانا كافر بالشرق مؤمن بالغرب، وهذا هو مذهبي الذي اعمل له طول حياتي سرا وجهرا». يذكرني هذا الحل في طالب فاشل لم يجد بدًا من سرقة إجابات زميله على أسئلة الامتحان بحلوها ومرها، صحيحها وخطئها، إنها إجابات متوقعة ممن لا فكر له ولا بعد نظر في تراثه وهي في الحقيقة إجابات سهلة يمكن لأي شخص أن يعيدها ويكررها هكذا. وهذا المسلك هو مسلك الحضارة العمياء التي تحيلنا على حضارة شكلية فقط لا غير إذ انها تتنكر لمبادئها ولاخلاقها وتحاول التنكر في زي الغرب المثقف، لكن سرعان ما يسفر هذا التنكر عن وجهه القبيح فلا نجد إلا أمثلة قديمة جديدة على التخلف الفكري الذي نتج عن هذا الفهم فبإمكانك تذكر مثال اتاتورك في تركيا وكيف أنه حارب طويلا من اجل تحويل الاذان من اللغة العربية إلى اللغة التركية وخاض معاركه العظيمة لتحويل اللغة التركية من الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية وكذلك في منعه للجبة والقميص والحجاب واستبدالهم بالملابس الغربية، وكذلك غيره ممن فشل في تأكيد منهجه بصفة علمية فسارع إلى القمع والقتل ومنهم «المجاهد الاكبر» الحبيب بورقيبة صاحب الجملة الشهيرة "نحن نقطع الرؤوس ان لزم الامر"
إن أخذ مفتاح التقليد الذي جاء به دعاة الحداثة الشكلية لباب غير موجود لا يمكن أن يسعفنا بشيء إذ ان واقعنا غير واقعهم ومشكلاتنا غير مشكلاتهم وتراثنا غير تراثهم وهذا لا يعني قطع الصلة بيننا وبين الغرب إنما هذا يعني فتح باب البحث الجدي ومراعات تراثنا وواقعنا وعدم النظر لمشاكلنا من برج عاجي لا يمكن ان نجني منه سوى سخافات الحلول والتي نعاني منها منذ قرن ونصف في تغريب فرض من قبل الاستعمار وخلفه تغريب فرض من قبل استعمار جديد لكن من بني جلدتنا كان سلاحهم فيه كما قلت القمع وخوض المعارك الوهمية في محاولة تغيير نمط عيش او مبادئ أو مجموع اخلاق هذه الامة، وبالنسبة لي فإني لا أؤمن أبدا أن الأخلاق أو المبادئ يمكن تغييرها بالقمع والفرض إنما ينبغي ان ياخذ المجتمع حضه لتصحيح ما يراه مناسبا وترك ما يراه طالحا ولا يمكن لامة أن ترضى السير مؤصدة الأعين في طريق امة اخرى ولا تفلح الوسائل القمعية أو الزجرية في ذلك. والمبادئ والاخلاق ليست متغيرة من عصر إلى عصر ولا يمكن ان تكون كذلك إنما هي محددة في قواعد ديننا وأصوله ولم يكن الدين الاسلامي أبدا تراثا ميتا لا حياة فيه فهو متجدد بحر لا ينفذ فيه أصول وقواعد فقهية تمكننا من الدمج بين تراثنا والواقع المعاصر دون الخوض في حروب لتغيير الواقع دون مرجعية مسبقة تمكننا من الاندماج في الحاضر وإيجاد مرجعية واضحة يمكننا الاستناد ولا شك أن هذا المسلك مسلك صعب تتداحل فيه العلوم بين ماهو ديني وماهو دنيوي ولكنه يبقى الحل الامثل والواقعي بدل التحديق صباحا مساءا في الغرب والأخذ بمبادئه واخلاقه وفلسفاته ومزجها بالعلوم الحديثة. فالتقليد إن كان اعمى لا يمكننا أبدا من اللحاق بالغرب فضلا عن تجاوزه لذلك يقول جمال الدين الأفغاني :»وأما من طلب إصلاح الأمة بوسيلة سوى هذه فقد ركب بها شططا، وجعل النهاية بداية، وانعكست التربية وانعكس فيها نظام الوجود، فينعكس عليه القصد فلا يزيد الأمة إلا نحسا ولا يكسبها إلا تعسا» ويقول أيضا : "ان العلاج الناجح لانحطاط الأمة الاسلامية إنما يكون برجوعها إلى قواعد دينها، والاخذ باحكامه على ما كان في بدايته فهي متأصلة في النفوس، والقلوب مطمئنة إليه، وفي زواياها نور خفي من محبته، فلا يحتاج القائم بإحياء الامة إلا إلى نفحة واحدة يسري نفسها في جميع الأرواح لأفرب وقت. فإذا قاموا وجعلوا أصول دينهم الحقة نصب أعينهم فلا يعجزنهم أن يبلغوا في سيرهم منتهى الكمال الإنساني"
أخيرا أقول .. أن امتنا الإسلامية بين جهلين، بين اناس حسبوا أن الدين مجرد احكام عبادية من ركوع وسجود وتطويل لحية وحجاب دون إداراك للمقاصد الحقيقية لهذه الاحكام وبين آخرين من الطرف الآخر حسبوا أن الحضارة الغربية هي تعرية للمرأة وصخب وطرب وعربدة وشرب خمر. يقول الباحث والدكتور لؤي الصافي: "إن العقل الذي صنع الحضارة الغربية الحديثة ليس العقل الهلامي المفتقد للمبادئ العلوية والقيمية والثابتة، والمستعد للتشكل وفق الإناء الذي يوضع فيه، لكنه العقل الواثق من ذاته ومن مبادئه، المتوثب إلى إعادة تشكيل واقعه الاجتماعي وفق مبادئ كلية تشكلت إبان الإصلاح الديني".