dimanche 2 mars 2014

03- بدايات ظهور الفكر السلفي في تونس وأسبابه


في نقد السلفية وضرورة التجاوز

03- بدايات ظهور الفكر السلفي في تونس وأسبابه

وجب أن أنوه في البداية بأنني لم أحصل على مراجع يمكنها إفادتي في هذا الموضوع لقلة الباحثين فيه بطريقة علمية وأكاديمية رغم كثرة المتاجرين بموضوع السلفية سياسيا وإعلاميا.

لكن بإمكاننا أن نتابع التطور الحاصل في تونس منذ الإستقلال لنستنتج أن التيار السلفي (1) كانت بدايات ظهوره في تونس سنوات التسعينات، فقد كان العقدين السابقين ذروة نشاط "الخوانجية" أو الإخوانيين في تونس رغم بعض المواقف في بداياتهم التي كانت تنزع نحو مواقف تقليدية تتبناها السلفية نتيجة اقتباس السائد آنذاك ونتيجة التأثر بالمشايخ الداعية لهذه المواقف أو لمشايخ التيار السلفي تحديدا مثل تأثر الشيخ راشد الغنوشي بالشيخ الألباني الذي كان محافظا على حلقاته لمدة عام في سوريا كما يروي ذلك عن نفسه (2). لكن سرعان ما اختلطت عند الإخوانيين في تونس مرجعيات أخرى كانت سببا في إحداث تفاعل فكري أدى إلى نحتِ توجه خاص بهم ومن هذه المرجعيات : التيار السلفي الذي ذكرناه، التيار الإخواني، التيار الإصلاحي التونسي، والتيار التقدمي الديمقراطي، وحتى ما اقتبس من الاطلاع على الفكر الشيوعي وما للنقابات من اهتمام اجتماعي وغير ذلك. فأدى هذا التفاعل بين مختلف التوجهات إلى مناظرات وحوارات كانت كفيلة بصقل تجربتهم وبالتالي تشييد انتاج فكري ذو مميزات لتخلص بعد ذلك إلى تباعد أشد عن الفكر السلفي والمواقف التقليدية السائدة نحو التجديد في الفكر الإسلامي. فهذه المسألة مهمة حتى لا نخلط الأوضاع بين التيار الإسلامي الذي تشكل في تونس في السبعينات والثمانينات وبين ظهور التيار السلفي في تونس بعد ذلك.

فإذا أردنا أن نعدد الأسباب التي مكنت من انتشار الفكر السلفي في تونس نجد الأسباب متفرقة وموزعة بين مجالات مختلفة. حتى أن الحج مثلا كان عاملا مساعدا على انتشار الفكر السلفي وذلك باتخاذه منارة للتواصل مع المسلمين بيسر شديد، وهي أيضا العبادة التي اتخذها الشيخ محمد بن عبد الوهاب طريقة لنشر مذهبه إلى أصقاع الأرض بيسر منذ زمن طويل. فتأثرُ الوافدِين إلى الحج، وبالتالي ذويهم، بالفكر السلفي مسألة منتظرة نظرا إلى كثرة الإنفاق على هذا العامل بنشر الكتب والمراجع السلفية والمنشورات صغيرة الحجم وغير ذلك. ويزيد هذا العامل قوة هناك عدم وجود منافسين في مجال الدعوة إذ أن الفكر السلفي مهيمن تماما ولا مجال لأي فكر آخر منافس وهو الذي يحظى كذلك بدعم المتبرعين وحتى دعم السلطة الحاكمة. فما بالك إن كان الوافدُ إلى الحج معاصرا لفترة تجفيف المنابع ؟!

كما أن عودة المجاهدين التونسيينَ الذين احتكوا بالفكر السلفي وتعرفوا عليه من تلاميذ رموزه في العصر الحديث وعدة مشايخ آخرين في أرض الجهاد، وخاصة أفغانستان والشيشان وحتى الجزائر خلال الحرب الأهلية ثم البوسنة والهرسك، كان أيضا عاملا مهما لصناعة حزام للفكر السلفي واشتداد عوده. فقد كان الوضع الإقليمي والدولي محفزا على تبني الفكر السلفي باعتباره أقصى اليمين. إذ أن الفشل السياسي الذي سلط على التيارات الإسلامية السياسية كان دافعا لتبني فكر يكفر كل المنظومة المتحكمة ورفضها كتعبير على الانتفاضة ضدها. فقد كانت الأوضاع السياسية في تونس تموج بحملة رهيبة ضد التيار الإخواني المتمثل في حركة النهضة لاجتثاثها فشكلت بذلك فراغا دينيا هاما باعتبارها الحركة الأكثر شعبية والتي كان لها دورا هاما في مجال الدعوة حينها خاصة أن بداية تأسيسها كانت دعوية صرفة ثم انضاف لها المجال السياسي بعد ذلك. وإذا غضضنا الطرف عن الوضع الداخلي فإنه بالإمكان اعتبار المسألة الجزائرية لها الأثر الأكبر من خلال الإنقلاب التي واجهته جبهة الإنقاذ.

وإن كان الجانب الأول والثاني اللذان ذكرناهما سببان خارجيان، والثالث متمثل في ردة فعل ذاتية إزاء الواقع المرير. فإن العامل الأبرز الذي ساعد على اشتداد الصدى وتمدد تأثير تلك الأسباب سابقة الذكر هو الفراغ الديني في البلاد. ففي أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات ظهرت بوادر لإعادة إحياء الزيتونة ووعود في ذلك تجلت في بعض الإصلاحات في الجامعة الزيتونية والسماح ببعض الدروس الدينية (3). ثم ما فتأت هذه الوعود أن بانت على حقيقتها الكاذبة والخاوية من أي تحقيق بعد القمع الشديد الذي مورس ضد التيار الإسلامي في تونس ففرغت الساحة تماما بعد اعتقال آلاف الإسلاميين في السجون وتهجير آلاف أخرى ومحاصرة المساجد وقمع الدعوة وجميع مظاهر الإلتزام وحتى المجتمع المدني ككل. وفي خضم سياسة تجفيف المنابع التي تمخضت عن صدام السلطة مع الإسلاميين كانت النتيجة أن انقطع بث الفكر الزيتوني في التونسيين، فاستمر بذلك تغييب هذا الصرح عن الساحة المجتمعية والفكرية، وبطبيعة الحال فكر الحركة الإسلامية المتمثل في حركة النهضة من باب أولى.

أدت هذه المسألة إلى رغبة في البحث عن إشباع للفراغ الديني الذي خلفته سياسة تجفيف المنابع، خاصة مع اشتداد الحصار على كل وجه عرف عليه التوجه الإسلامي فما بالك بصفوتهم من الدعاة. فقد كان أمل هؤلاء مجرد التخلص من الرقابة عليهم والتفكير في إلقاء دروس ومحاضرات كان أقرب إلى العبث. والحديث هنا عن تأثير في مجتمع لا تأثير في أفراد، فإن المحاولات الضيقة واللقاءات المصغرة التي كانت تتم خلسة ليست مدار حديثنا ومحدوديتها تجعلها خارجة عن دائرة التأثير واسع الأفق. وفي هذا المشهد الذي وصفناه، لم يجد الناس بدا من توجيه بوصلتهم إلى ما خلف حدود البلاد فوجدوا مبتغاهم في الدروس الدينية التي كان يقدمها كل من الشيخ ابن باز والعثيميين والألباني رحمهم الله وغيرهم. ثم وصل الأمر منتهاه مع التطور الذي شهدته الساحة الإعلامية من شرائط للدروس المسجلة والمسموعة ثم مع مواقع الانترنت وخاصة القنوات الدينية التي مثلت أهم طريقة للاستقطاب أبدع فيها التيار السلفي فأنشؤوا العديد من القنوات الإسلامية التي ذاع صيتها وكان لها الفضل في إلتزام آلاف من الشباب الذين دون شك سيجدوا أنفسهم على المنهج السلفي في بداية إلتزامهم.

على جانب آخر فإن التيار السلفي قد استفاد، في عمومه، وفي أغلب البلدان من عدم مصادمته للسلطة الحاكمة وتموقعه في الساحة الدعوية دون غيرها فشهد تطورا بتخصصه في المجال الدعوي وصنع ارتياحا لدى السلطة بعدم تطرقه للمجال السياسي واجتنابه إياه مما جعل محاور حديث هذا التيار تدور في فلك الإيمانيات والروحانيات وعلوم القرآن والحديث وضرورة اقتفاء أثر السلف الصالح وما إلى ذلك، فتمكن بفضل الفصل بين الرموز الدعوية والرموز السياسية (أو الرموز 'الجهادية'، إن صح التعبير) أو إن شئت قل بفضل اختلاف مناهج السلفية ومصادمة بعضها ومهادنة بعضها الآخر، من صنع قاعدة لا بأس بها من المناصرين. فكان الذراع الدعوي يعمل دون ضغوط (تقريبا) ويصرف المستقطبين إلى المشروع عامة وحتى للذراع السياسي (أو 'الجهادي') في كثير من الحالات. فيسر الفصل عملية انتشار هذا التيار خاصة أنه لم يكن تنظيما شاملا.

لا شك أن الأسباب تتفرع أكثر وتتفاوت أهميتها، لكني أعتقد أن ما ذكرته هو أهم المسائل على الإطلاق، فقد كان التأثير السياسي وما نتج عنه من ردات فعل ذاتية تنحو نحو تغليب الحلول الراديكالية أو الإعتزال وغياب الفكر الإصلاحي وتدفق الفكر السلفي بكيفيات متعددة هي العوامل الأبرز في تمدد الفكر السلفي. ومن مظاهر هذه النقاط الذي ذكرناها اليوم أنك تجد القطاع الأوسع من الشباب الإسلامي يعتبر من الشباب السلفي. في حين نجد قلة قليلة من الكهول يتبنون هذا الفكر. ولعل هذه الملاحظة تدعم المسائل التي ذكرناها من أن التيار السلفي كانت بدايات ظهوره في بدايات التسعينات تقريبا، وظل في ارتفاع مستمر وانتشار مكثف خاصة مع حسن استغلال الوسائل الحديثة.


(1) سنأخذ هذا المصطلح بتفصيل في المقال الموالي، وكان الأولى أن نأخذ الشرح قبل هذه الفقرة ولكن فضلت تأخيره لتشعب محاوره.
(2) راجع كتاب من تجربة الحركة الإسلامية في تونس للشيخ راشد الغنوشي
(3) كتاب الإسلام في تونس بعد السابع من نوفمبر لصلاح الدين المستاوي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.