dimanche 2 mars 2014

04- حول المصطلح والتيارات السلفية



في نقد السلفية وضرورة التجاوز

04- حول المصطلح والتيارات السلفية

حول مصطلح السلفية :

بقي مصطلح السلفية غامضا بسبب تعدد الرؤى وتعدد الاجتهادات فنجد من ينسب السلفية للتجديد والتحديث وإحياء الدين ومنهم من يجعل من السلفية سيرا على أثر الأقدمين وتتبعا لاجتهداتهم في الأمر كله وسدا لباب الاجتهاد إلا في قضايا محدثة، وبين هذا وذاك تتعدد المدارس وتختلف الرؤى.

وإن كانت سلفية العصر القديم قد اتفقت في أغلب المسائل الإلهية والعقدية والفكرية فإن الحال قد اختلف مع سلفية العصر الحديث فظهرت دعوات الإصلاح مجيبة على سؤال "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم" لتجيب على السؤال بضرورة العودة للأصول. وفي الإجابة على السؤال اختلفت الطرق وتعددت فصارت السلفية سلفيّات إذ ان الاختلافات تفرعت لتشمل علوما عديدة سواء أكانت علوما في مجال الدين أو في جانب العلوم الإنسانية. كما اتجه بعضها للتشبث المطلق بالموروث حتى إلتبس على البعض النص ملزم الاتباع الذي يندرج ضمن الفرض أو التحريم مع تلك النصوص التي لا تخرج عن طائلة المباح أو ما أسماه الفقهاء منطقة العفو. وسار البعض الآخر في استنباط الأصول والمقاصد حتى يكون قياس النصوص عن بينة وعن منهج ورسم مقاربة بين العقلي والنقلي فجعل بين الدين والعقل علاقة إلتقاء وتكامل لا تنافر وتباعد، فترتب على ذلك بحث أعمق في القضايا الأصولية والمقاصدية وبنيت الأحكام على فقه المآلات وفقه الممكن والأولويات فصيغت الأحكام الدينية ضمن دائرة المقاصد الشرعية. وسنأخذ هذا الجانب بتفصيل في قادم المقالات بإذن الله. وبين هاتين المقاربتين تتعدد القراءات وتختلف فظهرت مدارس شتى كل منها يزعم أنه مقتفي أثر السلف والسائر على نهجهم. فرغم أن السلفية بمعناها اللغوي يمكن إطلاقه على كل من له مرجعية أصولية ويرى أن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا بالعودة إلى التراث سواء انتمى إلى مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو إلى المدرسة الإصلاحية للأئمة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم إلا أن احتكار هذا اللفظ ظل قائما بين كل هذه المدارس على تباعدها. (1)

إذا، فالسلفية اسم شامل يمكن أن يطلق على فئات متعددة، بل يمكن أن تطلق على أي تيار إذ أن لكل تيار سلف "صالح" يرجع إليه ويتغنى به، فكما أن للـ"سلفية الإصلاحية" سلف صالح ترجع إليه مثل محمد عبده وجمال الدين الأفغاني مثلا، فإن للشيوعية سلف صالح متجسد في كارل ماركس وإنجلز ولينين، كما يمكن لبعض الستالينيين أن يعتبروا تروتسكي شيوعيا "ضالا" وحاد على "المنهج السليم" أو العكس بالنسبة لنظرة التروتسكيين للستالينيين، والقياس ذاته بالنسبة لليبيراليين. فالمتحدث هنا عن السلفية يأخذها بمعناها اللغوي لا الإسم الذي أطلق على الفئة الشائعة التي ترجع عليها هذه التسمية، فيكون الواجب هنا التفريق إلى الفئة التي تمت الإشارة إليها بهذا المصطلح.

فرغم أن (السلفية) في إطلاقها يمكن أن تشمل جميع التيارات بلا إستثناء، بله أن تكون شاملة للتيارات الإسلامية باعتبار أن التيارات الإسلامية هي تيارات أصولية تعود دائما إلى أصلين مهمين (الكتاب والسنة) ولها سلف من العلماء والمشايخ وجهابذة المفكرين. إلا أن لفظ "التيار السلفي" في هذه الآونة صار يميز مدرسة بعينها دون أخرى وهي التي يهمنا مناقشة أفكارها في هذه المقالات وهي التي سيتم التركيز عليها.

أما عن سبب تشبثها بهذا الاسم، فإننا قد ذكرنا في بداية المقال الأول أن السلفية وليدة للفكر الحنبلي بجانبيه الفقهي والاعتقادي، باعتبار أن الحنبلية توسعت لتمتد إلى الجانب الاعتقادي بمقارعتها لكل من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية في دائرة علم الكلام. وعليه، فإن اتخاذها من اسم الحنبلية دليلا إليها يمنعها من التوسع في الأمة الإسلامية وذلك لترسخ أسماء المذاهب الأربعة في عقول المسلمين وترسخ فكرة جواز التعبد بأي منها إذ أنها كلها منتمية لمنهج أهل السنة والجماعة سواء أكانت من مدرسة أهل الرأي أو أهل الأثر باختلافها. فاتخذت عند ذلك من اسم السلفية دليلا إليها حتى تزعم انتسابها للسلف وتلقي للمتلقي أنها ممثلة له دون غيرها فتمتد بفقهها واعتقادها بين أبناء المدارس الأخرى دون إحياء منها لصراع المذاهب، فاستطاعت هكذا أن تحيي الأصول الحنبلية في غير بيئتها وبمسالك أقصر.

أهم التيارات السلفية :

إنقسم التيار السلفي لثلاثة مجموعات كبرى، تفرعت على كل واحدة منها اتجاهات ورؤى مختلفة. لعل التسميات تختلف عند البعض وتتباين ولكن الذي يهمنا هو تحديد رؤى كل مجموعة وعرض أفكارها ولا مشاحة في الأسماء والإصطلاح.
ويهمنا هنا عرض الاختلافات بينهم دون توسع بعد أن عرضنا في السابق مجموعة من النقاط تتلاقى هذه المجموعات فيها ولا تختلف.

المجموعة الأولى
نطلق عليها السلفية العلمية، تتلخص أهم أفكارها في وجوب طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه حتى يثبت "كفره البواح" الذي لا شك فيه، فكان هذا الرأي أرضية مؤثرة في ما بني عليه من أفكار. إذ أن هذه المدرسة بنت أحكامها ورؤاها الفقهية على قاعدة "ستون عاما بسلطان جائر أصلح من يوم بلا سلطان" و"سلطان ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم" فأولت النصوص الشرعية حسب هذا المنحى الذي اختارته.
 
ومن استتباعات هذا القول أن فريقا منهم أبطل الجهاد بل وحرمه باعتبار أن لولي الأمر وحده الحق في إعلان الجهاد وقيادة الأمة. وحرموا الخروج عليه بمختلف الأشكال، وأقحموا المظاهرات والإعتصامات بجميع أصنافها تحت باب الخروج على الحاكم وغلى فريق منهم في ذلك حتى صنف الصحفي الناقد أو المفكر المصلح المناهض للنظام أو المواطن المطالب بحقوقه ظالما بل وخارجا على "ولاة الأمور" الشرعيين ! (2)
 
من غلاة هذه المجموعة من يطلق عليهم "المدخليون" نسبة للشيخ ربيع المدخلي، وهي جماعة استحلت عدم رد السلام على من يطلقوا عليهم "الخوارج"، أي حسب وجهة نظرهم أي شخص يستحل الخروج على الحاكم وإن كان ذلك على شكل مظاهرات، ويعتبرونهم من أهل البدع الذين لا تجوز صحبتهم ولا مخالطتهم. بل استحل فريق منهم نقل أخبار "الخوارج" لولاة الأمور (وما تحتهم من سلطات شرعية كمراكز الأمن والشرطة) فصاروا مخبرين. (3)
 
أسلوب تغيير هذه المجموعة هو "التصفية والتربية" (4) أي إصلاح القاعدة قبل الهرم وتبني المقولة الشائعة "كما يكونوا يولى عليكم"، فأولت الاهتمام كله للقاعدة، وحرمت منازعة أهل الهرم أو السلطة ما لهم وما لديهم. وكان نتيجة هذا أن ظهر للعيان أثر هذه المجموعة في مجال الدعوة، وخاصة الفئة المعتدلة منهم، فقد كان لهم فضل معتبر في حفظ الدعوة والقيام بها، وتعليم القرآن وتحفيظه، وبناء المدارس وتعليم الناس أمور دينهم، مستغلين بذلك عدم صدامهم مع السلطة في تصفية المعتقدات وتربية الناس على الإيمان.
 
المجموعة الثانية
نطلق عليها السلفية الجهادية، وهي مناهضة للتي قبلها في الأفكار والتصورات السياسية وفي كيفية التغيير، فترى أن ولاة الأمور ليسوا شرعيين لاعتبارين أساسيين. أولهما أنهم قد خانوا الأمة للعدو الكافر، وثانيهما أنهم لم يطبقوا شرع الله. فجعلت هذين السببين كفيلين بإخراج "ولي الامر" من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر، فجاز الخروج على الحاكم خروجا مسلحا !
 
طريقة تغيير هذه المجموعة تكمن في تبني رؤية الصراع الشامل مع الأنظمة والصدام معها صداما مسلحا حتى ينتج على تلك الأنقاض كيانا يقوم على التوجهات الصحيحة والرؤى القويمة. فأولوا الإهتمام كله لمسائل الجهاد وإعداد العدة لمقاومة الأنظمة "الكافرة المرتدة". فكان لهذا المعتقد أثر لا يخفى على متتبع في ميدان الجهاد ومقاومة العدو المحارب في أنحاء بلاد الإسلام.
 
تعتبر هذه المجموعة الصنف الأول مرجئة، وهم من يقولون أنه لا يضر مع الشهادة ذنب، في حين تعتبر المجموعة الاولى الثانية خوارجا، وهم على نقيض المرجئة تماما إذ يكفرون بالكبيرة. والحق أنه قد تم استحضار نماذج لفرق من التاريخ الإسلامي دون مراعات للإختلافات بين مقاربة تلك الفرق وبين فكر كلتا المجموعتين السلفيتين، فلا السلفية العلمية تقول أنه لا يضر مع الإيمان ذنب ولا السلفية الجهادية تكفر بالكبيرة، إنما وقعت المشابهة جزئيا في تفاصيل دقيقة وفي نفس الوقت ذات أهمية بالغة فأدت إلى اختلاف شاسع وبون عظيم. وسيتم التطرق إلى هذا في موضعه. (5)
 
المجموعة الثالثة :
وتسمى السلفية الإصلاحية، وهي مجموعة وسط بين الأولى والثانية، حديثة النشأة، تبنت آراء فقهية تحرم التغيير بالعنف في المجتمع فوافقت السلفية العلمية في هذا الجانب، ورأت وجوب تغيير الحكام وعدم الرضا بهم فوافقت السلفية الجهادية في هذا، كما أنها تأثرت بتيارات أخرى من خارج السلفية أهمها جماعة الإخوان المسلمين وخاصة في طرحها السياسي وفي أساليب تغييرها داخل المجتمع، فاعتبرت مثلا تمثيل السلفية في المجالس النيابية طريقة من طرق الإصلاح.
 
رؤيتها في التغيير تجمع بين إصلاح هرم السلطة وبين إصلاح القاعدة وتراوح بينهما في نسب التركيز لكل منهما حسب الحاجة والظروف.
 
وكما أسلفت الذكر، فإن حصر المجموعات السلفية في ثلاث مجموعات فقط لا يعني عدم وجود تفرعات حول مسائل عدة يمكن ان تشكل فرقا أخرى، ولكن تبقى دائما تحت هذه الخطوط العريضة وتبقى دائما في إطار تقاربها مع إحدى المجموعات السابقة.


(1) انظر كتاب محمد عمارة، تيارات الفكر الإسلامي
(2) يعتبر الشيخ ربيع المدخلي ومن وافقه هؤلاء خارجين على ولي الأمر بالكلمة واستشهدوا في ذلك بحديث ذو الخويصرة الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم "اعدل يا محمد" (الحديث). فأخذوا الحديث على ظاهره وجعلوا الإنكار على الإمام خروجا عليه. ولك أن تعرف أقوالهم في المظاهرات وما شابهها.
(3) كثيرا ما حصل هذا في تونس في عهد ابن علي.
(4) نظرية التصفية والتربية تعني تصفية الدين من الشوائب والأخطاء التي أدمجها فيه المبطلون ثم تربية الأمة على الدين النقي الصافي كما تلقيناه من القرون الثلاثة الأولى. وهي نظرية للإمام الألباني رحمه الله تعالى.
(5) سيتم تخصيص مقال لكل مجموعة منهما وعرض أفكارهما ومناقشتها بالتفصيل.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.