samedi 12 novembre 2011

مبدأ مشاركة الإسلاميين في حكم غير إسلامي

مبدأ مشاركة الإسلاميين في حكم غير إسلامي (1)

السيد الرئيس، أيها الأصدقاء والإخوان،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقدمة :

تحاول هذه الورقة الإجابة عن موقف الإسلام من مشاركة معتنقيه في تأسيس أو إدارة نظام غير إسلامي ؟

1- والسؤال يتضمن التسليم قبل ذلك بوجود نظرية للحكم الإسلامي، من واجبات المسلمين الدينية والعمل على إقامتها أفرادا وجماعات.

2- كما يتضمن ثانيا عدم قيام الحكم الإسلامي في الظرف الزماني والمكاني موضوع البحث، وإلا لوجب على المسلم دينا أن يواليه ويعمل على إصلاح ما عساه يكون قد اعتراه فساد.

3- ويتضمن ثالثا عدم توفر إمكانية قيام الحكم الإسلامي. وذلك بعد استنفاد الجهد في التوسل إليه. وإلا لوجب على المسلم المبادرة إلى ذلك واسترخاص كل الجهد والمال والنفس والتعاون في ذلك على إنفاذ أمر الله سبحانه وتعالى .. بإقامة عدله في الأرض (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ))، (( فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واعتصموا بالله ))، (( وأن احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهوائهم ))، (( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون )). 

اوضاع استثنائية :

نحن إذا نتحرك في هذا البحث ليس ضمن الحالة او القاعدة الأصلية، حيث يمكن لجماعة المسلمين أن تؤسس نظام علاقاتها الفكرية والسياسية والإقتصادية والدولية وسائر علاقاتها على نظام الإسلام بما يعبر وينسجم ويتناغم مع عقائدها ومواريثها المذكورة .. وفي اعماق الضمائر التي لا تزال مؤثرة في كل جوانب حياتها رغم ما قوضه الاحتلال الغربي وخلفاؤه من أسس ومواريث حياتنا الإجتماعية.

البحث هنا يتحرك في دائرة الإستثناء، حيث يتعذر على جماعة المؤمنين المضي إلى هدفها مباشرة بإقامة حكم الإسلام. فتجد نفسها أمام خيارات وموازنات صعبة.

ولأن من سمات المنهج الإسلامي الواقعية والمرونة بما يحقق خلوده وصلاحه لكل زمان ومكان، ولأن حياة الجماعات البشرية عامة، ومنهم جماعة الاخوان المسلمين، في حركية دائمة مثل حياة الأفراد، تتوارد عليها حالات الصحة والمرض، والنصر والهزيمة، والتقدم والتأخر، والضعف والقوة، فلا مناص لدين جاء يغطي حياة البشرية في كل أصقاعها وعلى امتداد الزمان ان يتسع لتغطية كل اوضاع التطور التي يمكن أن تمر بها جماعة او جماعات من المسلمين دائما راسما امامها معالم الخط العريض والخطوط المتعرجة، فلا يكتفي برسم القواعد الكلية لأوضاع التطور السوية، وإنما يضع بين أيديها قواعد وآليات تغطي الاوضاع الإستثنائية، أوضاع الاستضعاف، حتى يكون المؤمنين أبدا في علاقة وطيدة مع قواعد الشريعة، في حال اليسر والقوة كانوا، او كانوا في حال العسرة والاستضعاف.

فقه المصالح والضرورات :

إذا كان التراث الفقهي عند المسلمين هو أثمن وأعظم تراث قانوني لدى امة من الأمم، حتى ليصح القول عن امة الإسلام : إنها أمة الفقه والقانون، فإن من عظمة هذا الفقه استنادا إلى قواعد تشريعية كبرى، ينبثق عنها، وترتد فروعها إليه، أعني : علم الأصول، الذي هو علم إسلامي عظيم.

ولقد حظي هذا العلم بعقول عظيمة تتابعت على تأصيل قواعده وتطويرها وإثرائها وصقلها، حتى بلغت مع العلامة الأندلسي الشاطبي أوجا عظيما متقدما امتدادا للنهج الذي سنه الإمام الشافعي. فقد انصبت نخبة من العقول العظيمة التي امتلأت يقينا بعظمة الإسلام، وغاصت في نصوص الوحي كتابا وسنة، في تراث الفقه والتطبيق الأساسي وسائر علوم الإسلام خلال القرون، كما استوعبت جملة المعرفة البشرية المعروفة في العصر، وصاغت من خلال كل ذلك قواعد التشريع على ضوء ما استخلصته من مقاصد الدين، وجملة مقاصد الدين تدور حول مصالح العباد، فإنما لأجل ذلك جاء الدين. يقول الشاطبي : "إنّا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره"، ويقول :" غن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا .. قال تعالى (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ))، وقال تعالى : (( ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب ))، ثم فصّل صاحب الموافقات أنواع المصالح التي بعث الرسل لتحقيقها في حياة البشر سواء منها ما كان مصلحة ضرورية، أي : لا بد منها في قيام مصالح الدين والنفس والنسل والمال والعقل، ثم مصالح حاجية إذا تخلفت وقع الناس في الضيق والرحج، كالتمتع بالطيبات، ثم مصالح تحسينية .. كآداب الاكل والشرب مما لا يعد فقدانها مخلا بسير الحياة لانها للتحسين والتزيين."(2)

والاتجاه العام في الفكر الإسلامي المعاصر إلى قبول أصول الشاطبي إطارا عاما لمعالجة المشكلات المستجدة في حياة المسلمين، انطلاقا من هذا الأصل العظيم : إن الدين إنما نزل للتحصيل والمحافظة على مصالح الناس في الدنيا والآخرة. وفي هذا المنظور العام والمقصد العام للشريعة أمكن لجزئيات الدين ان تجد كلها مكانها اللائق بها كفرع من أصل، وفي هذا المنظور نفسه يمكن أن تجد المشكلات المستجدة في حياة المسلمين حلولها المناسبة التي تضمن تحقيق مصالح المسلمين بل حياة البشرية وتدرأ عنهم الشرور والمفاسد دونما أي حاجة إلى التمرد قليلا أو كثيرا عن شرع الله .. لا سيما وقد تضمن هذا الشرع أصولا عامة يمكن أن يتأسس عليها اجتهاد جديد كلما حصل تطور في الحياة معتبر. ومن هذه الأصول ما يستجيب للأوضاع العادية التي مر بها المسلمون أفرادا وجماعات، ومنها ما يغطي أوضاعهم الإستثنائية .. مثل مبدأ الضرورات تبيح المحضورات، مما نص عليه القرآن الكريم في قوله : (( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ))، ومثل مبدأ الموازنة بين المصالح والمفاسد، فما غلب ما فيه من صلاح على ما فيه من فساد فهو مشروع، ومثل مبدأ المآلات فأفعال المكلفين لا يحكم عليها المجتهد بالجواز من عدمه إلا بعد النظر إلى مآلها من غلبة المصلحة أو المفسدة، وغيرها من أصول الإجتهاد.(3)

المشاركة في السلطة غير الإسلامية : 
إذا كان الأصل في أفعال العباد الجواز ما لم يرد مانع، فالمانع هنا متوفر وهو الأمر بإقامة حكم الله والنهي عن الحكم بغيره. من هنا وجب على المسلمين أن يبذلوا وسعهم في الاستجابة لأمر الله بإقامة حكمه. ولكن ماذا تراهم يفعلون إذا لم يكن ذلك ممكنا ؟ إن أصل التكليف هو التكليف بما يستطاع، يقول تعالى : ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)).
يمكن تعريف الحكم الإسلامي بأنه نظام للدولة، حيث :
تكون المشروعية العليا أو السيادة للشريعة، للوحي باعتباره السلطة الحاكمة على كل سلطة، ففي إطار اجكامها يجتهد الفقهاء لاستنباط الحكم الجزئي، وبها يحكم القاضي، بل إن سائر مؤسسات الدولة يجب ان تتحرك في إطار الشريعة الإسلامية وتوجيهاتها مقاصدها.
أن تكون السلطة التامة للشعب عبر صورة من صور الشورى، فإذا كان هذا الصنف من الحكم ممكن القيام فالواجب على المؤمنين ألا يدخروا وسعا في ذلك. ولكن إن كان ذلك غير ممكن فما عساهم يفعلون، لا سيما إذا تعرضوا أو بلادهم للخطر ؟
إذا عرف أن حكم الإسلام استهدف جملة من الأهداف الإنسانية مجتمعة، فإذا تعذر ذلك وجب العمل على تحقيق ما هو ممكن منها عملا بقاعدة الاستطاعة، أي : أننا مكلفون في حدود ما نستطيع، فإذا كانت استطاعتنا تطال المشاركة مع غيرنا، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، في إرساء نظام اجتماعي، وغن لم يكن قائما على الشريعة الإسلامية، لكنه قائم على حكم مهم كم قواعد الحكم الإسلامي الشوري، أي : مبدأ سلطة الأمة، بما يدرأ شر كالحكم الدكتاتوري، أو تسلطا أجنبيا، أو فوضى محلية او مجاعة، أو يضمن تحقيق مصلحة وطنية إنسانية، كالاستقلال، أو التنمية او التضامن الوطني، او الحريات السياسية العامة والخاصة، كحقوق الإنسان والتعددية السياسية ةاستقلال القضاء وحرية الصحافة وحرية المساجد والدعوة. هل يمكن للجماعة المسلمة أن تتاخر عن المشاركة في إرساء نظام ديمقراطي علماني إن لم يمكن إقامة نظام ديمقراطي إسلامي، فيقيم حكم العقل إن تعذر حكم الشرع بلغة ابن خلدون ؟ (4) كلا، بل الواجب الشرعي أن يشارك المسلم في تحقيق مثل هذا الحكم، فردا كان او جماعة، عملا بالأصول والمقاصد الشرعية السالفة التي تؤول إلى قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، او قاعدة الضرورة والاستطاعة، او النظر في مآلات الأفعال وغيرها من قواعد الشريعة.
وقائع مثبتة :
ويمكن الاستئناس بوقائع وسير وردت في القرآن الكريم والسنة في مجرى التاريخ الإسلامي للتأكيد على جواز مشاركة المسلمين أفرادا وجماعات في تأسيس، أو مجرد إدارة، حكم غير إسلامي من شأنه أن استجلاب مصالح أو درء مفاسد متحققة، او حتى مجرد مظنونة ظنا راجحا.
المثال الاول من القرآن الكريم : 
النبي يوسف عليه السلام : لقد خصه القرآن بسورة رائعة حكت سيرته ومسيرته من ظلام الجب، حيث زج به اخوته، إلى أضواء وفتنة قصر فرعون حيث تعرض للإغواء الجنسي، ومن ظلام السجن إلى سدة الحكم. والملفت والمحير ان هذا الشاب الذي عركته المحن وما إن توفرت له فرصة النهوض بمسؤولية الحكم حتى طلبها ودون انتظار حتى تعرض عليه، وذلك إيمانا بواجب إنقاذ كثيرة معرضة للمجاعة دون أي انتظار منه ان تتوفر له الفرصة لدعوة شعبه المصري الوثني إلى عبادة الله الواحد، وتكوين قاعدة ينهض عليها حكم الإسلام.
كل الذي استحضره الشاب ان الدين إنما جاء لمصالح العباد، وأن المصلحة التي تنتظر يومئذ هي إنقاذ الانفس من هلاك محقق، وانه قادر على ذلك. فكيف ينتظر أو يتردد أو يرفض بذريعة عدم توفر القاعدة الصلبة ؟ ذلك غير جائز فليدرأ في العاجل مفسدة المجاعة، وليحقق مصلحة حفظ النفوس، وعسى تكون الفرصة مواتية بعد ذلك لدعوة الناس إلى توحيد الله وعبادته.
نحن هنا امام مشاركة فاعلة في إدارة دولة غير إسلامية، لتحقيق مصلحة عامة للناس هي حفظ نفوسهم وهي مصلحة من مصالح الدين، وقد يقرب قضاؤها الناس في الدين ويعرفهم ببركاته، فيتعرفون إليه عيانا سبيلا للتعرف على إيمانا. ومهما جادل بعض الفقهاء في دحض هذه الحجة بالخوض في مسألة ان شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أم لا أو غير ذلك من الحجج الرافضة، يبقى إيراد القرىن الكريم لقصة يوسف بذلك التوسع والتنويه مفعما بالدلالات على ان فعل يوسف عليه السلام هو محل قرار إلهي، وأن أوضاعا مشابهة يمكن أن يلاقيها مسلمون أفرادا او جماعات .. يكون الخيار امامهم إما المشاركة السياسية في إقامة أو إدارة انظمة للحكم غير مسلمة من اجل تحقيق مصالح معتبرة لهم ولدينهم، تدفع عنهم وعن دينهم شرورا راجحة، او التفريط في ذلك مما يفضي إلى تضييع مصالح والوقوع في الحرج وحتى المحظور او الهلاك.
المثال الثاني : النجاشي :
هو ملك الحبشة زمن البعثة. لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عددا من الصحابة لما اشتدت المحنة أن يهاجروا إليه، واصفا إياهبانه ملك لا يظلم عنده الناس. ولقد أثمرت إقامة أولئك الأصحاب في حماية ذلك الملك العادل دخوله في الإسلام، دون أن يتمكن من إدخال تعديلات تذكر على حكمه في اتجاه تطبيق الإسلام، إذا لم يكن ذلك ميسورا بل إن من شأن تلك المحاولة أن تضيع ملكه وإخوانه المؤمنين ضيوفه. ولقد سجلت السيرة النبوية قصة ذلك الملك بإكبار وتنويه إذ قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه باداء صلاة الجنازة على روحه لما بلغه نبأ الوفاته.
يقول ابن تيمية : "ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن فإن قومه لا يقرونه على ذلك. والنجاشي وأمثاله مع ذلك سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على إلتزامه بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها". (5)






1 : في الأصل محاضرة ألقيت في ندوة "مشاركة الإسلاميين في السلطة" التي عقدت يوم السبت 20 فبراير 1993 في جامعة ويستمنستر-لندن، الذي نظمها مركز أبحاث الديمقراطية في الجامعة بالإشتراك مع منظمة "ليبرتي" وهي منظمة دولية تتخذ من لندن مقرا لها وتعنى بالترويج للديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات السياسية في العالم الإسلامي.
2،3 : أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة (بيروت دار المعرفة) ج2، ص6-8
4 : أبو زيد عبد الرحمان بن محمد بن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر : مقدمة ابن خلدون، 7ج (بيروت دار الكتاب اللبناني 1956-1959)
5 : تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، ج19، ص218-219




هذه الوثيقة موجودة كملحق في كتاب الحريات العامة في الدولة الإسلامية طبعة دار المجتهد ص398-402

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.